من متردد إلى متحمس هل نصدق دعوات ماكرون للاعتراف بدولة فلسطينية
4 مشاهدة
في ديسمبر كانون الأول 2017 كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في زيارة رسمية إلى باريس حيث استقبله الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون الذي كان لا يزال في عامه الأول داخل قصر الإليزيه وخلال المؤتمر الصحفي المشترك طرحت على ماكرون مسألة الاعتراف بدولة فلسطين فجاء رده حاسما وحذرا هل الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية سيكون مؤثرا لا أعتقد ذلك وسيفهم على أنه ردة فعل على القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الذي أحدث صدمة في العالم العربي وما بعده وأضاف ماكرون لن أرتكب خطأ مماثلا وفرنسا لن تبني قراراتها على ردود فعل مرت ثماني سنوات على كلمات ماكرون ومنذ أكثر من عام ونصف تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا ممنهجا ضد الفلسطينيين في قطاع غزة على مرأى من العالم في بدايات المجازر لم يتردد ماكرون في الاصطفاف مع آلة القتل الإسرائيلية مانحا دعمه السياسي الكامل بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لم ينه نتنياهو حرب الإبادة الجماعية بل واصلها بلا توقف لكن يبدو أن قصر الإليزيه بدأ يشعر متأخرا بعد مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني بأن إسرائيل ربما قد تجاوزت ما يمكن أن تتحجج به فرنسا وحلفاؤها دبلوماسيا ومع ذلك يبدو أن الرئيس الفرنسي ما زال مترددا حتى بعد كل ما حدث وبعد اتساع رقعة الاعتراف الأوروبي فقد بادرت دول من داخل الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا إلى الاعتراف الرسمي بفلسطين وانضمت إليهم النرويج من خارج الاتحاد إضافة إلى السويد التي سبقت الجميع منذ 2014 اليوم أحد عشر بلدا أوروبيا تعترف بالدولة الفلسطينية فيما ما زال ماكرون يمارس العادة الفرنسية متشبثا بسياسة الازدواجية بين التصريحات والأفعال فما نية فرنسا وراء هذه التصريحات هل ستخطو باريس أخيرا نحو الاعتراف ولماذا الآن والأهم من كل ذلك هل سيعني هذا الاعتراف شيئا للفلسطينيين وحقوقهم أم أنه مجرد محاولة لمجاراة موجة الاعترافات أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده بصدد الاعتراف بـ دولة فلسطينية في غضون أشهر ما يعني إن حدث أن تصبح فرنسا العضو الأوروبي الثاني عشر الذي يعترف رسميا بدولة فلسطينية فخلال زيارته إلى القاهرة جاء إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في الثامن من أبريل نيسان حول الاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية ليعيد تسليط الضوء على مطلب ظل معلقا لعقود وليثير تساؤلات حول توقيته ودوافعه ورغم أن الإليزيه ربط هذا التصريح بانعقاد الدورة الثانية لمؤتمر التحالف الدولي من أجل حل الدولتين الذي تنظمه فرنسا والسعودية في نيويورك في يونيو حزيران المقبل إلا أن هذا الربط لم يبدد الشكوك بل عمقها فالاعتراف الفرنسي وفق ماكرون نفسه يأتي بورقة مشروطة مرهونة باعتراف عدد من الدول العربية والإسلامية بدولة الاحتلال إذ قالها ماكرون صراحة يريد أن يكون هذا الاعتراف جزءا من حركية جماعية تقود جميع الأطراف المؤيدة لفلسطين نحو الاعتراف بإسرائيل أيضا ولم يتردد في التصريح بأن الهدف من هذه الحركية الجماعية التي يريدها في المؤتمر الفرنسي السعودي هو مكافحة إيران باعتبارها ترفض وجود إسرائيل وكذلك العمل على ضمان استتباب الأمن في المنطقة هل غير إعلان ماكرون موقف فرنسا من القضية الفلسطينية اللافت في الموقف الفرنسي أن الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يمتلك دستوريا صلاحيات رسم السياسة الخارجية يكرر منذ أشهر أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس من الممنوعات بالنسبة إليه لكن ما تقوله باريس لا ينعكس في أفعالها بل تتلكأ باريس وراء حجج وذرائع لتبرير عدم إقدامها على خطوة صوت عليها البرلمان الفرنسي في توصية تعود لعشر سنوات خلت إلى جانب ذلك فهي فكرة متداولة في الطبقة السياسية الفرنسية منذ أكثر من أربعة عقود دون أي خطوة حاسمة وبالعودة إلى تاريخ فرنسا مع القضية الفلسطينية سنجد فرنسا أكثر شركاء الاحتلال التجاريين أهمية والتي ساعدت في تسليحه نوويا كانت أيضا الدولة التي حاولت بعد حرب 1967 إعادة التوازن في سياستها الخارجية بتبني ما سمي السياسة العربية لفرنسا بقيادة الجنرال ديغول رغبة في طي صفحة الجزائر والاصطفاف مع إسرائيل إذ تدعي فرنسا بأنها تمسك بالقانون الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فموقع وزارة الخارجية الفرنسية ينص بوضوح على أن باريس تدعو إلى احترام القانون الدولي لا سيما قرارات الأمم المتحدة وتدعم حل الدولتين وكذلك حلا عادلا للاجئين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والحفاظ على وضعية القدس بل وتعتبر باريس بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية مصادرة غير شرعية للأراضي وتعد الاستيطان مخالفا للقانون الدولي بل وتشدد على أن أي مفاوضات مستقبلية ينبغي أن تبنى على أساس خطوط الرابع من يونيو حزيران 1967 شارل ديغول مواقع التواصل وفي أكتوبر تشرين الأول 1975 سمحت باريس بفتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية ثم دفعت لاحقا في عهد فاليري جيسكار ديستان إلى إعلان المجلس الأوروبي في البندقية عام 1980 ضرورة الاعتراف بحقوق الطرفين وضرورة إشراك منظمة التحرير في عملية السلام في مايو أيار 1989 استقبلت باريس الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في زيارة رسمية خلال عهد فرنسوا ميتران الذي حاول دعم قيادة فلسطينية تؤمن بحل الدولتين حسب شهادة جان بيار فيليو أحد مؤرخي تلك المرحلة وعند إعلان دولة فلسطين في الجزائر عام 1988 اختار الرئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا ميتران التحفظ مبررا موقفه بأن الدولة الفلسطينية تفتقر إلى سلطة فعلية على الأرض لكنه تجاهل حقيقة واضحة أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي هو ما يمنع هذه السلطة من التشكل وهو ما يبقي الدولة الفلسطينية بحكم القوة في حالة تجميد دائم ومع ذلك وخلال شهر واحد فقط سارعت 75 دولة غالبيتها من العالم العربي وأفريقيا وآسيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين في مشهد كشف عزلة الموقف الفرنسي وبعد ست سنوات على توقيع اتفاق أوسلو أصدرت 15 دولة أوروبية في مارس آذار 1999 إعلانا يؤكد الحق الدائم وغير المشروط للفلسطينيين في إقامة دولتهم معربة عن استعدادها للنظر في الاعتراف بها عندما يحين الوقت اللافت أن هذا الموقف الأوروبي كان بإلهام مباشر من فرنسا وتحديدا من الرئيس جاك شيراك لكن شيراك نفسه لم يترجم هذا الإلهام إلى سياسة عملية وظل أسير الخطاب دون الفعل كما فعل أسلافه لكن في عام 2010 رفعت فرنسا التمثيل الفلسطيني لديها من المندوبية إلى البعثة الفلسطينية ويشار إلى الدبلوماسي الذي يقود البعثة الفلسطينية في فرنسا بلقب السفير وفي عام 2011 أتيحت لفرنسا فرصة تاريخية جديدة لمطابقة الأقوال بالأفعال لكنها ضيعتها مجددا فمع أن باريس كانت من المتحمسين لحل الدولتين تراجع الرئيس نيكولا ساركوزي عن دعم تعديل وضع فلسطين في الأمم المتحدة من كيان مراقب إلى دولة عضو لماذا الآن تشير بعض التحليلات من الصحف ومراكز الأبحاث الفرنسية إلى أن توجه ماكرون نحو الاعتراف بدولة فلسطين ينبع من رغبة في تصحيح التناقضات في السياسة الخارجية الفرنسية واستعادة دور فرنسا في الشرق الأوسط وتعزيز نفوذها الدبلوماسي خاصة في ظل تراجع الدور الأمريكي وتزايد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة الخطوة تهدف أيضا إلى استعادة مكانة فرنسا كقوة دبلوماسية فاعلة على الساحة الدولية بالإضافة إلى الاستجابة للضغوط الداخلية من المجتمع المدني والتيارات اليسارية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رويترز هل يتجرأ ماكرون على الاعتراف وهل ذلك الاعتراف مهم حين أدلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ببعض التصريحات العلنية بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر أبريل نيسان 2025 أثار ذلك ردود فعل حادة وسريعة من الاحتلال فكتب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في إكس أن الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية خيالية يعزز حركة حماس ما دفع ماكرون إلى التوضيح عبر صفحته في المنصة نفسها فقال نعم للسلام نعم لأمن إسرائيل نعم لدولة فلسطينية من دون حماس لكنه لم يقنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي هاجم ماكرون لاحقا متهما إياه بالسعي خلف أوهام منفصلة عن الواقع رغم ذلك أعاد ماكرون التأكيد في 28 مايو أيار على دعمه لحل الدولتين قائلا من إندونيسيا لا ازدواجية في المعايير الفرنسية تجاه الشرق الأوسط وأعلن أن باريس بالتعاون مع الرياض ستنظم مؤتمرا حول غزة في نيويورك قريبا بهدف إعطاء زخم جديد للاعتراف بالدولة الفلسطينية والاعتراف بدولة إسرائيل وحقها في العيش بسلام وأمن في هذه المنطقة I m reading all sorts of things here about our intentions for Gaza Here is France s position it is clear Yes to peace Yes to Israel s security Yes to a Palestinian state without Hamas This requires Emmanuel Macron EmmanuelMacron April 11 2025 لكن خلف هذه التصريحات يبقى التنفيذ غامضا فالوضع على الأرض يزداد قتامة وغزة تباد بكل الطرق الوحشية والضفة الغربية تسحق وبحسب وكالة رويترز لا توجد حتى الآن أي مؤشرات على أن أي دولة إسلامية أو عربية جديدة مستعدة للتحرك نحو تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى ذلك يعاني ماكرون من انقسام داخلي واضح ضغط من الشارع ومن اليسار الفرنسي وخصوصا حزب فرنسا الأبية من جهة فبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يواجه الرئيس الفرنسي تحديا كبيرا في البرلمان المنقسم بين اليمين المتطرف وأقصى اليسار وأصبحت القضية الفلسطينية منذ اندلاع حرب غزة مثار جدل مستمر ونزاع حاد بين مختلف الكتل النيابية بشكل يضعف التكتل الرئاسي في الهيئة التشريعية وبحسب التقرير يريد ماكرون أن يخرج القضية الفلسطينية من البرلمان الفرنسي ويبعدها عن النقاش السياسي الداخلي المشحون بالاستقطاب والانقسامات الأيديولوجية العميقة غير أن ردود الأفعال على تصريحاته الأخيرة كشفت عمق الانقسام فاليسار رحب بالاعتراف واعتبره خطوة تأخرت كثيرا فيما هاجمه اليمين المتطرف وصديق الاحتلال الإسرائيلي بشراسة فصرح نائب رئيس حزب التجمع الوطني سيباستيان شينو لإحدى القنوات الفرنسية بأن أي اعتراف من هذا النوع يرسل إشارة خطيرة مارس الإرهاب وسنعترف لك بدولة أما ماتيلد بانو رئيسة كتلة فرنسا الأبية فكتبت على إكس أخيرا بعد قرابة عامين من الإبادة الجماعية في غزة تتحرك فرنسا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالإضافة إلى ذلك لم يتوقف نتنياهو عن التصعيد فوصف ماكرون لاحقا بأنه يقف مع منظمة إرهابية قاتلة بحسب تعبيره مكررا الاتهامات الواهية المعتادة ضد أي موقف يظهر تعاطفا مع الفلسطينيين وبحسب وكالة رويترز فإن إسرائيل تهدد فرنسا وتهديداتها تراوحت بين تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعقيد المبادرات الإقليمية لباريس بل حتى التلميح بخطوات تصعيدية كضم أجزاء من الضفة الغربية التي تتوسع فيها بالاستيطان بالفعل إذا ما مضت فرنسا في قرار الاعتراف لذا يجدر بنا أن نتساءل عما إذا كان الرئيس الفرنسي سينفذ وعده خلال انعقاد مؤتمر التحالف من أجل حل الدولتين فبحسب رويترز يرى دبلوماسيون وخبراء أن هذه الخطوة قد تكون سابقة لأوانها وغير مجدية في الضغط على إسرائيل للمضي نحو اتفاق سلام مع الفلسطينيين ويشيرون أيضا إلى أن هذا التحرك قد يعمق الانقسامات الغربية ليس فقط داخل الاتحاد الأوروبي المنقسم بالفعل بل أيضا مع الولايات المتحدة أكبر حلفاء الاحتلال الإسرائيلي ويرون أنه يجب أن يترافق هذا الاعتراف مع إجراءات أخرى من بينها عقوبات وحظر تجاري إذا ما كان الهدف منه يتجاوز كونه مجرد لفتة رمزية والحقيقة أن اعتراف فرنسا أو أي دولة أخرى بدولة فلسطين ما لم يتضمن تحديدا لطبيعتها وحدودها وضمانا لسيادتها الفعلية يبقى غير كاف فمن بين 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة تعترف 148 بدولة فلسطين لكن ذلك لم يفض إلى قيام دولة حقيقية على العكس بات الوجود الفلسطيني ذاته مهددا بعد نكبات متتالية واستمرار سياسات التطهير العرقي والضم المنهجي للأراضي في ظل فشل المجتمع الدولي في وقف العدوان أو فرض المحاسبة على إسرائيل وبحسب الاتفاقيات الدولية فالاعتراف لا ينشئ الدولة بل يعد مجرد اعتراف بوضع قائم فوفقا لاتفاقية مونتيفيديو لعام 1933 التي تعد إحدى الركائز الأساسية في تعريف الدولة من الناحية القانونية فإن الوجود السياسي للدولة ليس مرهونا باعتراف دول أخرى فالدولة كما تنص المادة الأولى من الاتفاقية تعرف بامتلاكها أربعة عناصر سكان دائمون إقليم محدد حكومة قائمة وقدرة على إقامة علاقات مع دول أخرى وبناء على هذا التعريف لا حاجة لاعتراف خارجي كي توجد الدولة أو تمارس سيادتها