متى وأي راعية ستمطر ها هي الآن تمطر على صنعاء مطر والجبال تشربه

يمنات
عبدالوهاب قطران
يوم الخميس 26 يوليو 2018م لم يكن كأيّ خميس لقد كنّا في ضيافة البروفيسور الدكتور هشام عون القامة االوطنية والعلمية الإنسانية الفريدة، اتذكر ان منزله كان خلف وزارة النفط بشارع الزبيري ..
اتذكر جيّدًا قبل سبع سنوات، كنت مغروزًا في زوايا هذا المجلس الجميل؛ على يميني يجلس الفنان الكبير، الطيب، عبدالباسط عبسي، وعلى يساري الدكتور رشاد عبدالغني عبدالرب، أستاذ المخ والأعصاب، عرفته صدفة في ذاك المقيل.
كنت حينها منهمكًا بجوعٍ لا يُروى لمطالعة عيون الكتب في شتى المجالات، فيما كانت الشقيقة المزمنة تفتك برأسي منذ عقدٍ من الزمن. ولأنني —كما أقول عن نفسي ضاحكًا— “مستغل”، استغليت وجوده بجانبي، وبثثت له وجعي. سألني أسئلة دقيقة، ثم التقطتُ مفكرتي من بين صفحات الكتاب الذي أطالعه، فخطّ لي وصفة: حبوب مهدئة للأعصاب، وأخرى لضغط الدم.
لا أنسى منظرها؛ ثلاثة أقفاص صفراء تُسرّ الناظرين، بداخل كل قفص ثلاثة أشرطة، الحبة منها صفراء صغيرة كحبة الخردل. حبة في الصباح وأخرى في المساء، ومعها الحبوب الحمراء لتخفيض الضغط.
بدأت أتناولها، وكانت كأنها البلسم، بل كأنها الأفيون! أخمدت لهيب أعصابي، وأطفأت حرائق روحي، وحوّلتني من إنسان نزقٍ عصبيّ إلى رجل بارد الأعصاب، هادئ البال. كنت أنام نومًا عميقًا يمتد ثلاثة عشر ساعة، ولو تُركت لنمت أربعًا وعشرين! حبوب تُقنع القلب بالرضا عن كل شيء في الحياة، حتى عن أجمل ما في الدنيا… النساء.
استمريت على الدواء شهرين كاملين، ثم انتهيت منه وقد ودّعت الشقيقة المزمنة إلى غير رجعة. وما زلت ممتنًا لذلك الطبيب التعزي العظيم الذي وصف لي علاجًا في مقيل عابر، بلا فحوص ولا تعقيد، لكنه شفى رأسي من عذابٍ كنت أعيشه مرتين كل أسبوع.
وكم تمنيت لو أنني احتفظت بعلبة من تلك الأقراص، ألجأ إليها في الأيام القاسية، أو حين كنت مسجونًا في الزنزانة الانفرادية. بزنازن المخابرات بصنعاء هناك، حيث الوقت رتيب مملّ كأنه لا يمضي، وحيث النوم نادر، كنت أتمنى قفصين منها لأغرق في نومٍ طويلٍ يقتل الوحشة.
ارسال الخبر الى: