منذ فتح متحف الهولوكوست أبوابه للزوار في الولايات المتحدة الأميركية عام 1993 أراد القيمون عليه تثقيف الزوار حول أهوال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ألمانيا النازية ضد يهود أوروبا وغيرهم من الضحايا المستهدفين قبل الحرب العالمية الثانية وأثنائها علاوة على ذلك فإن المتحف الذي يتخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مقرا له اضطلع بمهمة أخرى إلهام المواطنين والقادة في جميع أنحاء العالم لمواجهة الكراهية ومنع الإبادة الجماعية وتعزيز الكرامة الإنسانية الموقع الإلكتروني للمتحف واسع جدا وهو يقدم السردية الكاملة للمحرقة وكيف تمت إبادة ستة ملايين يهودي أوروبي من ألمانيا النازية بين عامي 1933 1945 كما يحتوي الموقع على المعرض الدائم للمتحف والذي يتألف من الاعتداء النازي من 1933 إلى 1939 الحل النهائي والفصل الأخير بالإضافة إلى ذلك وعلى امتداد آلاف السجلات توثق مجموعات المتحف مصير ضحايا الهولوكوست والناجين ورجال الإنقاذ والمحررين وغيرهم من خلال المصنوعات اليدوية والوثائق والصور والأفلام والكتب والقصص الشخصية تمت ترجمة معظم مواد الموقع إلى 16 لغة كما أن التنقل بين مواده سهل وسلس لكن لا يمكن الإحاطة به كاملا لا أستطيع أن أدعي القول إن الموقع متحيز منحاز إلى من هدفه كما يقول إنساني بحت والأمر لا يتعلق بتقديم تاريخ من أجل الماضي فقط بل وضع نصب عينيه على المستقبل حتى لا تتكرر جرائم الإبادة الجماعية رغم ذلك إذا كان هناك تحيز فلا يمكن معرفة ذلك إلا بعد فرز جميع محتوياته وهذه مهمة مستحيلة إنما يمكن لنا معرفة ميول المتحف واتجاهاته من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية ما هو موقف المتحف عامة من إقامة دولة إسرائيل عام 1948 ما هو موقفه مما حدث ويحدث على يد دولة إسرائيل ضد الفلسطينيين هل يمكن للمتحف أن يدين إسرائيل باعتبارها ترتكب هولوكوستا صغيرا بحق الفلسطينيين وحقهم في العيش بسلام هل عرض المتحف مجازر الجيش الإسرائيلي التي ارتكبها بحق الفلسطينيين على غرار المجازر التي يعرضها في صالاته وقاعاته ضد الأرمن والأكراد والسوريين ومجازر دارفور وسربرينيتشا لقد بحثت كثيرا للعثور على شيء يتعلق بالعرب الفلسطينيين لكن كل ما وجدته كان فقط عن الفلسطينيين من أصل يهودي كما توجد قائمة باليهود الذين وصلوا إلى فلسطين عام 1944 قادمين من ألمانيا إن محاولة ربط دولة إسرائيل الحالية بضحايا الهولوكوست خيانة لأرواح ستة ملايين يهودي ومع ذلك وخلال بحثي في بعض مواد المتحف عثرت على شريط فيديو مدته 57 06 دقيقة وتم إصداره في عام 2010 بعنوان هل أنقذ أي عربي يهوديا أثناء الهولوكوست كذلك كتاب بعنوان بين الصالحين قصص ضائعة من الهولوكوست في الأرض العربية صادر في عام 2006 كلاهما الفيديو والكتاب تحقيق أجراه روبرت ساتلوف وهو كاتب أميركي ويشغل المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى منذ يناير كانون ثاني 1993 ساتلوف وخلال زيارته للدول العربية في شمال أفريقيا أراد استقصاء أوضاع اليهود في تلك الدول خلال الحرب العالمية الثانية حيث عثر هناك على عرب ومسلمين أنقذوا مئات اليهود من الإرهاب النازي ورغم ذلك بحسب ساتلوف يرفض مركز ياد فاشيم المركز العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست تكريم أولئك الذين أنقذوا هؤلاء اليهود وفي جهوده وأبحاثه المضنية لانتزاع الاعتراف بالعرب الذين أنقذوا اليهود التقى ساتلوف الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز الذي أجابه بأنه سيكون ممتنا ومقدرا لهؤلاء العرب إذا تم العثور عليهم ربما لا يتبادر الشك إلى أي منا بأن دوافع ساتلوف نبيلة في بحثه عن المسلمين والعرب الذين أنقذوا اليهود من ويلات النازية كما يبدو أن لديه نوايا نبيلة أخرى في بناء جسور السلام والمحبة بين العرب واليهود لكن ماذا لو لم يجد ساتلوف أي عربي أنقذ يهوديا واحدا يمكن استخلاص العديد من الأسئلة من هذا الفيديو هل يقصد الباحث أن العرب شاركوا في إبادة اليهود وتعاونوا مع النازيين في الهولوكوست ما هو حجم تلك المساهمة إذا حدثت ولماذا ينكر البعض في العالم العربي المحرقة أو يشكك في عدد الضحايا الباحث والأكاديمي جيلبرت أشقر يجيب على هذه الأسئلة في بداية كتابه العرب والمحرقة حرب الروايات العربية الإسرائيلية بالقول العرب غير موجودين لا يوجدون إلا في الفانتازيا تلك التي نتجت عن التحريف العنصري والتعصب الجدلي لذلك يسعى أشقر لتوضيح اختلاف المواقف لدى العرب تجاه النازية والصهيونية ويقسم تلك المواقف من الهولوكوست النازي إلى أربعة تيارات مختلفة المنظور الليبرالي والماركسي كذلك هناك المنظور القومي وأيضا السلفي موضحا أن هذه المواقف تراوحت بين الإدانة الصريحة للنازية من ناحية والعداء المباشر لليهود من ناحية أخرى لقد اتخذ الليبراليون والماركسيون موقفا واضحا من الهولوكوست من خلال إدانته وتأكيد التمييز بين اليهودية والحركة الصهيونية في الوقت نفسه أعجب بعض القوميين العرب بالنموذج النازي والفاشي وسعوا إلى تقليده أما التيار السلفي فلديه خطاب معاد لليهود مبني على تفسيراته لبعض الآيات القرآنية بالإضافة إلى النصوص المعادية للسامية مثل بروتوكولات حكماء صهيون وفي معرض تفنيده لتلك الفانتازيا يذكر أشقر أن عدد العرب الذين قاتلوا في صفوف المحور النازي الفاشي لم يتجاوز ستة آلاف وبضعة مئات في المقابل بلغ عدد الفلسطينيين وحدهم الذين قاتلوا في صفوف الجيش البريطاني ضد النازيين وليس كل العرب تسعة آلاف وبالنظر إلى عدد العرب من كل الدول العربية فإن الرقم سيصل إلى حجم كبير على سبيل المثال شارك ربع مليون مغربي من العرب والبربر مع القوات الفرنسية بقيادة ديغول وبالعودة إلى الدوافع النبيلة لساتلوف يسأل شمعون بيريز عن ضرورة تكريم المسلمين والعرب الذين ساهموا في إنقاذ اليهود في شمال إفريقيا هنا يريد ساتلوف الإيحاء بأن هناك علاقة أساسية وبديهية بين ضحايا الهولوكوست ودولة إسرائيل يشير المؤرخ اليهودي إيلان بابيه في كتابه التطهير العرقي لفلسطين 2006 إلى أن شيمون بيريز كان أحد المهندسين والمخططين والمنفذين لعملية ترحيل الفلسطينيين التي نفذتها الحركة الصهيونية على أرض فلسطين في الواقع إذا كان هناك مسلمون وعرب ينكرون الهولوكوست فهذا سلوك مدان وغير إنساني لكن ومن ناحية أخرى فإن محاولة ربط دولة إسرائيل الحالية بضحايا الهولوكوست هي أيضا خيانة لأرواح ستة ملايين يهودي