جنوب لبنان ومخططات المنطقة العازلة
ليس غريباً الحديث عن تجاهل إسرائيل، على جميع جبهات القتال والإبادة، أخلاقيّات الحرب وقواعد القانون الإنساني الدولي. فجيش الاحتلال لم يعتد الحرص على تمييز الأعيان المدنيّة، وتحييدها عن عمليّاته العسكريّة. وفي كثيرٍ من الأحيان، كانت مخطّطات التهجير والتغيير الديموغرافي تقتضي عدم القيام بهذا التمييز، بل واقتضت تعمّد ضرب أهداف غير عسكريّة بالمطلق. وهذا تحديداً ما تشهده مدينة غزّة حالياً، إذ تتزامن عمليّة اجتياح المدينة مع تسريب خطط أميركيّة لتهجير سكّان القطاع، وتحويل أجزاء منه إلى منطقة سياحيّة ومشاريع عقاريّة.
لم يعد جنوب لبنان بعيداً عن خطط التهجير والتغيير الديموغرافي، وإنشاء المناطق العازلة المعقّمة من السكّان، وتماماً كما يجري في غزّة، تُطرَح هذه المشاريع حالياً في لبنان تحت ذرائع وعناوين ذات طابع استثماري، لتمويه طابعها الأمني، كما يجري التذاكي في عرضها بوصفها مسارات تنمويّة تقود إلى السلام، لتجميلها وإخفاء حقيقتها؛ بصفتها عمليّة تطهير عرقي، أو جريمة نقل قسري للسكّان، بحسب توصيفات نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة. في آخر زيارة له إلى لبنان، رفض المبعوث الأميركي توم برّاك تقديم أي ضمانات تؤكّد استعداد إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي ما زالت تحتلّها في جنوب لبنان، أو للسماح بعودة الأهالي إلى القرى الحدوديّة. بل قدّم برّاك والوفد المرافق له طرحاً يقضي باستحداث منطقة اقتصاديّة في تلك المناطق الحدوديّة، بديلاً عن المساحات المأهولة بالسكّان. وصوّر برّاك طرحه كأنه بوّابة لتحقيق الاستقرار، من خلال خلق فرص عمل تُشغل الأهالي عن القتال.
ما طرحه برّاك، يتكامل مع مضمون إحدى مقابلاته، التي تلت الزيارة، إذ صارح العرب بأنّ إسرائيل لم تعد تجد معنى للحدود التقليديّة القائمة بين الدول، في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ إسرائيل ستذهب إلى حيث تريد، عندما تريد، لتفعل ما تريد. والشرح الذي قدّمه المبعوث الأميركي، يبرّر فكرة المناطق الاقتصاديّة العازلة التي تحاول إسرائيل إنشاءها في لبنان وغزّة، تحت عناوين استثماريّة، كما يبرّر مساعيها لاستحداث منطقة منزوعة السلاح جنوب دمشق، أو ضمّ الضفة الغربيّة وتوسعة المستوطنات. بعيداً عمّا أفصح عنه المبعوث الأميركي، الذي يلعب حالياً
ارسال الخبر الى: