تزوير الحقائق
إذا أردنا تمييع فكرة فلنطرحها للنقاش، المقصود بالضبط طرحها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولتكن الفكرة حول معالجة حدث ما، والمقصود سورية. نجد أن النقاش يتوسّل أجندات فكرية سواء يسارية أو غير يسارية، أو مغرقة في المحافظة، ما يتجاوز اليمين التقليدي، وتطلق رزمة من المحفوظات الأيديولوجية اللطيفة عن الثورة والحرية والعلمانية والديمقراطية والدولة المدنية، وكأنهم تخرجوا من جامعتَي هارفارد وموسكو معاً. وليس من الكتب الحمراء والصفراء، أضيف إليها مجاراة للعصر اتهامات باتت مألوفة عن الإرهاب، والطائفية، مضادة للتقدم والحضارة. هذا ولن نتطرق إلى الهذر، وما يرافقه من ضحالة وإسفاف.
ليس أعمى من يتشدق بهذه الطروحات، وإنما احترف التعامي، طالما أنه مريح أكثر، فيختار ما يلائم انحيازاً محقوناً بالأحقاد، ويصبح اللاحوار شطارة في اللغو والمغالاة في الادعاء، ويتحول فيه مثقف الفيسبوك إلى ذباب إلكتروني، فالأجندات واحدة، وهو التخريب، مع كامل الوعي أن إشعال حروب الكلام، قد يؤدي إلى حروب حقيقية، إحداها الحرب الأهلية.
المطلوبُ فَهمُ الواقع، لا تزييفه، لماذا؟ لأنّ الواقع غير عصي على الفهم. ربما يكتشفون أن الزمن السوري اليوم يختلف عن أي زمن، فنحن لا نحتاج إلى ثورة بلشفية على وجه التخصيص، ولو كان تحت أيديهم أكثر من لينين واحد، وبضعة مثقفين متقاعدين نسخة طبق الأصل عن ستالين، وعدد كبير من المثقفين الحداثيين، يعتقدون أنهم على وزن دريدا وجيجييك وغيرهم، فالقائمة طويلة. ما ينقص سورية الكثير؛ الكهرباء والخبز والعيش بكرامة... وكلّ شيء، ولا ننسى عودة المهجّرين، لكن إلى أين؟
ما ينقص سورية الكثير؛ الكهرباء والخبز والعيش بكرامة
في عالم يزداد فيه الضجيج الإعلامي، ويتسارع تدفق المعلومات، تظلّ الحقيقة أثمن ما ينبغي أن يسعى إليه الإنسان. ليست رفاهية فكرية ولا ترفاً أخلاقياً، بل هي عنصر جوهري في حياة الأفراد والمجتمعات، وفي غيابها ينهار المنطق، وتتحول الحياة العامة إلى مسرح للخداع وتبادل الاتهامات. فما الذي يجعل الحقيقة بهذا القدر من الأهمية؟ ولماذا تُعتبر ضروريةً في كل أوجه الحياة؟
في زمن الضجيج والمعلومات الملفقة، يصبح قول الحقيقة عملاً أخلاقياً شجاعاً. ليس
ارسال الخبر الى: