المثقف المغربي والوعي النقدي
تعالت في الفترات المتأخرة دعوات متكرّرة تطالب المثقف بالظهور العلني في الساحة العمومية، والتعبير عن الرأي السياسي، لا عن الثقافي بحكم مجال العمل والاختصاص، فيما يجري ويدور من حوله، خصوصاً مع وجود كثير من الصراعات السياسية وتناميها، وغير السياسية، التي تدور في مختلف المحيطات المرتبطة بالحياة الثقافية والفكرية، وبالمجتمع وَفِعْلِ بنياتِه في تطوره واستمراره، ثم أنْ يكون هذا التعبير بالموقف المنطقي، أو البديهي، أو المسؤول، أو الأخلاقي إلخ... المطلوب منه، أي بالصورة المرجوة والمنتظرة منه في الدعم، أو المساندة، أو فقط لمجرد تسجيل موقف (يُفترض أن يكون استثنائياً ونَبَوِيّاً)، والاستناد إليه في تحميسِ تَصَوُّر من التصوّرات، أو عملية من العمليات الجارية، أو التي يمكن أن تجري في المجال المشترك. وقد لاحظنا بروز تلك الدعوات في المغرب، وهناك حالات مماثلة في الدول المغاربية الأخرى، منذ فترة بعيدة نسبياً (الربيع العربي والحَرَاكَات المختلفة في تونس والجزائر والمغرب في الجنوب وفي الشمال الشرقي...) في ارتباط، من ناحية، بتقلص النفوذ التقليدي للأحزاب السياسية التي تكفل لها الدساتير إلى جانب النقابات في النظم الديمقراطية، أدواراً متفاوتة في التنظيم والتأطير والتوجيه. وفي تطور ملحوظ، من ناحية ثانية، بما آلت إليه الأوضاع العامة من تدهور رَفَع من حدة التوتر الاجتماعي، وبلور صيغاً متجددة للصراع المباشر سواء من خلال المقاومة المدنية (التنسيقيات في المغرب)، أو بالتعبير السياسي المعارض مباشرة، وهو مكلف ويُعَرّض الفاعل لعقوبات مختلفة في جو من انعدام الحريات الأساسية التي يمكن أن تحدد ذلك وتنظمه، منعاً للحروب الأهلية، بالشكل المطلوب.
بناء تصوّر مشترك عن الأدوار المفترضة للمثقف ضمن مشروع ثقافي معين هو من اختصاص العاملين في المجال الثقافي نفسه
أُسَلِّمُ أن تلك الدعوات إنما تَقَوَّت، وفي بعض خطاباتها سَادَت لفترة، في علاقة بعوامل أذكر منها: تطور حياة وَمَجَال الشبكات الاجتماعية على النّت، والتعبير الذي يبثه المُسَمَّون بـالمؤثرين فيها على جميع المستويات وبمختلف التطبيقات أو الوسائط. وثانيها في ارتباط مع تطور حركات النضال الاجتماعي والسياسي وغيرها في كثير من البلدان والسياقات، ونلاحظه بصورة أقوى في بعض الأحيان،
ارسال الخبر الى: