إدلب واستحقاقات التغيير السياسي

٨٤ مشاهدة
تصاعدت وتيرة الحراك السياسي بين دمشق وأنقرة في الفترة الماضية فهناك سعي من الأتراك حكومة ومعارضة للانتهاء من مشكلة الوجود السوري في تركيا كما هناك سعي روسي إلى تثبيت تفاهمات أستانة من خلال فتح المعابر والطرق بين مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا أو المشمولة بحمايتها جزئيا وبين مناطق سيطرة النظام يسعى الطرفان إلى تحجيم الوجود الكردي المتمثل سياسيا بمجلس سوريا الديمقراطية مسد وعسكريا بقواتها وتنفيذيا بما تسمى الإدارة الذاتية لشمال سورية وشرقها يعتبر الأتراك أن هذه السيطرة الفعلية على منطقة واسعة من البلاد وغنية بالثروات ومصادرها ستؤمن فرصا مستقبلية لحكم ذاتي للأكراد بأدنى الاحتمالات في مناطق يتفق عليها في إطار الحل النهائي لكنهم يتوجسون خيفة من المستقبل البعيد ناظرين إلى التجربة الكردية شمال العراق وآخذين من محاولة أولئك لإعلان الدولة والاستقلال بعد الاستفتاء عليه عبرة بينما يرى الروس أن تحجيم هذا الوجود المتدثر بعباءة التعددية القومية لسكان المنطقة والديمقراطية التي تمثل جميع أطيافها هدفا يجب تحقيقه لإضعاف تأثير خصمهم الأميركي اللدود الموجود بقوة في المنطقة لكن نظام الحكم في دمشق لا يرى الأمور من المنظار نفسه فأولوياته مختلفة تماما في هذه المرحلة ثمة استعصاء اقتصادي لديه يفرض عليه الانصياع لبعض الضغوط الممارسة ضده من الدول العربية التي بدأت خطوات التطبيع معه لكنه في المقابل غير قادر على التخلص من ربقة الديون الإيرانية ولا من أحمال الوجود العسكري الإيراني الكبيرة في سورية لذلك يناور على كل الحبال بغرض تزجية الوقت عل التحالفات تتغير والموازين تختلف مع الزمن هناك نأي واضح بالنفس عن أي تصعيد مع الإسرائيليين من الساحة السورية فيما يخص الحرب في غزة وهذا لن يكون متوفرا له بالسهولة نفسها إذا ما حولت المناوشات مع حزب الله حربا حقيقية واجتياحا بريا واسعا للبنان رغم كل الانهيار في قدرات الدولة السورية ورغم التحولات الهائلة في المشهد الإقليمي بعد ثورات الربيع العربي استطاع نظام الأسد المحافظة على دور وظيفي في توازنات القوى الإقليمية ساعده في ذلك ضعف القدرة السياسية للمعارضة السورية التي تصدرت المشهد من جهة وعدم وجود ضمانات حقيقية من نشوء نظام بديل قادر على تقديم نفس الخدمات التي قدمها الأسد الأب لإسرائيل من جهة ثانية ترى الإدارة الأميركية الديمقراطية أن الأسد مع ضعفه الشديد أفضل من يمارس لعبة شد الحبل معهم في الفترة الراهنة لذلك كان التخفيف من تأثير القوانين التي يفرضها الكونغرس التي تحاول حصار نظام الأسد والتضييق عليه أمرا يمكن المقايضة به لكسب نقاط مهمة في الساحة الخارجية في معركة الانتخابات الرئاسية لكن المؤشرات كلها تدل على أن هذا الرأي لم يعد سائدا في إسرائيل التي أطلقت عليه يوما لقب ملك ملوكها ثمة قناعة بدأت تتعزز لدى المستوى العسكري في القيادة أنه لا يمكن فك الارتباط بين نظامي الأسد والملالي في طهران والأمر ذاته بات يطرق أذهان بعض السياسيين ما خلفته معركة طوفان الأقصى من آثار في المستوى الاستراتيجي في منهجية التفكير الإسرائيلية قد يطاول نظام الأسد ورغم العمليات الجراحية في سورية التي ما فتئت تقوم بها إسرائيل لتحجيم الخطر المحدق بها هناك إلا أنها تجد نفسها عاجزة عن إبعاده ثمة من يقول في إسرائيل إننا لن نقبل بالسكين في الخاصرة الشمالية أبدا وثمة من يسعى منهم لكسر نصلها مرة وإلى الأبد يناور النظام السوري على كل الحبال بهدف تجزية الوقت عل التحالفات تتغير والموازين تختلف مع الزمن في ظل هذه التغيرات الإقليمية التي كان منها تجميد المبادرات العربية واندفاعة التطبيع مع نظام الأسد يأتي الحراك الشعبي والسياسي في منطقة سيطرة هيئة تحرير الشام يمكن أيضا النظر إلى التوترات الشعبية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية على أنها جزء من الحراك الشعبي الرافض لواقع الحال المتردي في عموم المناطق الخارجة عن سيطرة قوات نظام الأسد مسيرة تحول سلطة ابو محمد الجولاني وهيئة تحرير الشام ملحوظة للجميع فالفصيل المتطرف الذي خرج من رحم تنظيم القاعدة تحت مسمى جبهة النصرة لأهل الشام أخذ خطوات عملية واسعة باتجاه الانفصال عن فكر التنظيم الدولي العابر للحدود حتى إن الإدارة الأميركية أشارت إلى ذلك في تصريح لأحد مسؤوليها ثم إن التنظيم ذاته خاض حروبا استئصالية مع القوى المنافسة له بدأها مع فصائل الجيش الحر وأنهاها مع فصائل حراس الدين وحزب التحرير وغيرهما من التنظيمات التي تقف عن يمينه بل بدأت الإدارة السياسية التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب تخوض مناورات مع قوى سياسية ديمقراطية وشخصيات محسوبة علمانية وفق تصنيفاتها هي ما يعطي انطباعا بأنها تسير في خطى محو الماضي الراديكالي المتطرف وأنها تبعث رسائل للجهات الدولية والإقليمية بأنها تبدل جلدها وتغير من عقيدتها ثمة ضبابية من نوع ما في مشهد الصراع والحراك الدائرين في إدلب فبعض القوى الأشد تطرفا ترى أن الفرصة سانحة حاليا لإضعاف سيطرة الجولاني وتنظيمه أما الحراك الشعبي الذي يصف أعضاؤه أنفسهم بأنهم من ثوار 2011 أي أولئك الباحثين عن سورية جديدة ديمقراطية لكل أهلها فقد خف وانعزل أصحابه عن المشاركة لألا يحسبوا على المتطرفين وكي لا يخدموا أجندتهم ثمة مؤشرات تدل على وجود أياد خارجية تحاول زعزعة التوازنات في إدلب فهذه المنطقة التي يقطنها خليط كبير من السوريات والسوريين المهجرين ليست تحت السيطرة كما يجب من هنا يعتبر بعضهم أن الاستقلال النسبي في الموقف والقرار الذي يمارسه الجولاني وتنظيمه لا بد من تأطيره وتدجينه تجد القوى السياسية الديمقراطية السورية مع ضعفها وقلتها نفسها حائرة في التعامل مع سلطات الأمر الواقع المختلفة في سورية تجد القوى السياسية الديمقراطية السورية مع ضعفها وقلتها نفسها حائرة في التعامل مع سلطات الأمر الواقع المختلفة في سورية بعضها يرى في مسد وتفرعاتها أفضل الموجود وبعضها لا يتصور القطيعة مع الأتراك بحكم ثقل الملفات التي يمسكون خيوطها وبعضهم الآخر يجد أن إدلب ليست سوداء رغم كل محاولات شيطنتها بل هي خضراء تقاوم السواد بهمم أهلها والقادمين إليها من السوريين المهجرين قسرا الحقيقة أن العمل في السياسة ضمن ظروف التشتت والتقسيم وعدم الاستقرار الأمني صعب للغاية بالإضافة بالطبع إلى ظروف تذرر الهوية السورية وانفراط العقد الاجتماعي السوري الذي تجلت بعض مظاهر التعبير عنه في عقود اجتماعية تحاول بعض القوى فرضها من خارج مساحة التفاهمات الوطنية السورية هنا تجد إدلب نفسها حاضرة في خرائط السياسيين والعسكريين من كل الأطراف وملحقاتهم من السوريين نظاما ومعارضة كما تجد نفسها دائرة بين محاور الصراع الداخلي لقوى الأمر الواقع وسلطاته المختلفة أما الثوار الأوائل أو من تبقى منهم فلم يعد لهم كبير تأثير على الأرض بعد أن فقدوا سندهم وظهرهم أي جيشهم السوري الحر الذي كان يوما أنشودتهم ورجاءهم وبعد أن فقدوا تنسيقياتهم التي كانت أول عمل سياسي سوري منظم وصادر من ضمير الناس وعقولهم أما الناس العاديون الذين قاموا بوجه الطغيان فلا يزالون ضحايا استحقاقات التغيير وعلى قيد الأمل والرجاء بالخلاص

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح