الانطباع أن عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد بدأ قبل أن ينتقل إلى البيت الأبيض لا يجانبه الصواب فالسرعة في تسمية كبار المسؤولين في المراكز ذات الأهمية تشي بأن الرئيس الفائز على عجلة من أمره وأنه لن ينتظر عشرة أسابيع كي يباشر مهامه سمى سفيرا أميركيا وحيدا حتى تاريخه ليس في موسكو أو في بكين أو في لندن بل في تل أبيب فالدولة العبرية تفوق في أهميتها كما يبدو أهمية روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية والحليفة الأولى بريطانيا السفير المعين يدعى مايك هاكابي وهو حاكم سابق لولاية أركنساس ورغم أن هذا الرجل لم يقدم أوراق اعتماده بعد ولم يحظ بعد بالتصديق على ترشيحه في الكونغرس إلا أنه لم يتردد في الإدلاء بتصريحات لإذاعة الجيش الاسرائيلي متوقعا أن يواصل الرئيس المنتخب ما سماها المساعدة في ضمان ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية ورغم خدمة سابقة له قسيسا إلا أن الرجل لا يكتم عنصريته وسبق له أن أنكر وجود شعب فلسطيني ومع ادعائه أنه سوف ينفذ سياسة ترامب إلا أن ذلك لم يمنعه ساعات فقط بعد إعلان ترشيحه من إطلاق تصريحات سياسية تتطابق مع ما يتفوه به الوزراء الأشد تطرفا في حكومة بنيامين نتنياهو حول السعي إلى الاستيلاء على الضفة الغربية المحتلة مع إنكار وجود شعب يرزح تحت الاحتلال مع أن تسمية هاكابي سفيرا في تل أبيب تحمل إشارة سيئة وتمثل بداية رديئة إلا أنها تشكل تحديا صارخا للعالم العربي يتطلب الاستجابة له والرد عليه فقد جرت هذه التسمية فيما كانت القمة العربية الإسلامية منعقدة في الرياض بمشاركة عشرات من قادة العالمين العربي والإسلامي غير أن انتباه ترامب كان منصرفا إلى تل أبيب وحدها ما دفعه إلى المسارعة بترشيح هاكابي الذي يعشق إسرائيل على ما قال الرئيس المنتخب وبهذا ومع الأيام الأولى لإعلان فوزه في الانتخابات تبين أن الدولة العبرية حاضرة في ذهن الرجل ولم يتوقف الأمر عند التواصل الذهني فسارع نتنياهو إلى إرسال وزيره للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى واشنطن للقاء ترامب وقد سبق للوزير الاستراتيجي نفسه أن التقى ترامب قبل إجراء الانتخابات وفي ذروة الحملة الانتخابية أما نتنياهو فقد تواصل هاتفيا ثلاث مرات مع ترامب بعد الإعلان عن فوزه وسبق أن التقيا خلال زيارة نتنياهو نيويورك سبتمبر أيلول الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تستند طريقة ترامب في اتخاذ القرارات إلى مفهوم الصفقات وليس إلى المعالجات السياسية من المنتظر والحالة هذه أن تتواصل الاتصالات الإسرائيلية مع أركان الإدارة الجديدة وقبل أن تباشر عملها رسميا من أجل بلورة مواقف ومقاربات مشتركة يصار إلى إعلانها والعمل على تنفيذها ما أن يبدأ ترامب عمله في البيت الأبيض 20 يناير كانون الثاني 2025 ومن غير المستبعد أن يدلي الرئيس المنتخب بتصريحات سياسية تعكس خط الإدارة الجديدة وقبل أن يتولى مهامه الدستورية فالرجل وكما هو معهود عنه لا يعبأ بما يعتبرها شكليات وتقاليد بيروقراطية ويؤمن بأنه يحق للرئيس ما لا يحق لغيره والخشية من أنه ما إن يحل الموعد الدستوري لاستلامه سلطاته حتى يكون قد فرغ من تحديد سياساته ولا يبقى سوى إبلاغ من يعنيهم الأمر بفحوى هذه السياسات وشرحها بصورة موجزة والاستماع إلى ملاحظاتهم عليها تمهيدا للبدء بتنفيذها في أرض الواقع إنه شيء أقرب ما يكون إلى سيناريو حرق المراحل والاستثمار الأقصى للوقت بتسخيره لاهتبال الفرص المتاحة وهو سيناريو إسرائيلي في الأصل سوف يجري دفع ترامب للقبول به وربما الإعجاب به رغم أن الرئيس الفائز خص الأميركيين العرب إلى جانب اللاتينيين وذوي الأصول الأفريقية في خطاب الفوز بالتحية على وقوفهم معه في الانتخابات ولم يأت على ذكر أي فضل للوبي الإسرائيلي في فوزه المثير غير أن ذلك لن يفت في عضد هذا اللوبي الممتد من تل أبيب إلى المراكز الأميركية في شن هجوم محبة على الرئيس الفائز وتطويقه بالثناء لأنه لطالما ساعد في فرض السيادة الاسرائيلية على الأراضي المحتلة وسوف يفعل ذلك حاضرا ومستقبلا وفق السيناريو الإسرائيلي الذي يعبر عنه أوضح تعبير الثلاثي بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الذين يتحدثون عن استقلال ثان لدولتهم بالاستيلاء على ما تبقى من أرض فلسطين الدوائر السياسية العربية والإسلامية في الرياض والقاهرة وعمان وأنقرة وبقية العواصم المعنية على علم بهذه التحركات الإسرائيلية المحمومة تجاه الإدارة الأميركية الجديدة معطوفة على ترشيحات ترامب أسماء أركان الإدارة الجديدة وبالذات وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيغسيث ومستشار الأمن القومي مايكل والتز وهم من الصقور المتشددين في عدائهم للصين وإيران وممن يثقون بأن أفضل سياسة أميركية تجاه إيران وتجاه الصراع العربي الإسرائيلي هي التي يصوغها وينفذها نتنياهو رغم أنه يقود حكومة بلد آخر وليس مسؤولا أميركيا تشكل هذه التطورات تحديا سياسيا جسيما بخاصة مع استمرار الحرب الدموية على غزة وعلى لبنان ومن دون أن تلوح نهاية لهذه الحملة التي تستعرض فيها القوة والأسلحة الأميركية على المدنيين والمنشآت المدنية وبالذات في غزة المدمرة ومن المعلوم أن مسؤولين عربا كثرا في المشرق سبق لهم التعامل مع ترامب في ولايته السابقة ويعرفون جيدا أسلوب تفكيره وطريقته في اتخاذ القرارات باستناده إلى مفهوم الصفقات وليس إلى المعالجات السياسية وما دام الأمر كذلك وبما أن كل صفقة تقتضي التفاوض الحاذق على عناصرها والتمسك بالحد الأدنى من المطالب على الأقل فلتشرع مراكز القرار في الدول المعنية منذ الآن وبالتنسيق التام مع السلطة الفلسطينية والحكومة اللبنانية بالاستعداد للتفاوض الجدي مع ترامب وأركان إدارته حول صفقات تضمن الحقوق وتكفل إرساء العدل وضمن جدول زمني قصير للتنفيذ مع ضمانات دولية وإقليمية وتصديق الأمم المتحدة على المخرجات على أن يبدأ هذا الجهد المشترك بوقف إطلاق النار على غزة ولبنان وبإجراءات مؤقتة لإنهاء الحرب وصولا إلى وضع نهاية تامة لها وهو هدف معلن لترامب كما لعواصم عربية وإسلامية وللمكونات السياسية الفلسطينية