حين يصبح التحليل السياسي أداة تضليل
ثمَّة خطٌّ رفيع يفصل بين الأمل والوَهْم. الأمل شعورٌ ينبثق من إمكانية واقعية للتحقق. إنه اعتقاد عقلاني قائم على حسابات منطقية وحقيقية، ومن ثمَّ فإنه، إن أحسن تأطيره وتوظيفه، قد يكون دافعاً للجهد والعمل لتحويل الأفكار والطموحات إلى خطوات عملية وواقع معاش. في المقابل، يقوم الوَهْمَ على اعتقاد راسخ بشيءٍ زائف أو خيالي، لا يعترف بالحجج العقلية والأدلة الواقعية، بل يقاومهما، إن لم يتجاهلهما في سبيل الهدف المنشود، وإنْ كان مستحيلاً. وتشير دراسات نفسية إلى أن الخط الفاصل بين الأمل والوَهْمِ قد لا يكون واضحاً لمن يقاوم الانجراف بين تياراتهما، ما يزيد من احتمالات الانزلاق فيه من سياق الأمل إلى سياق الوَهْم. وتتضاعف خطورة ضبابية الخط الفاصل بين الأمل والوَهْمِ حين يُساء استخدام الدين وتوظيف المُقَدَّسِ والتعسّف في تفسير النص أو إسقاطه على الواقع شديد التعقيد، لا لمحاولة إعادة تكييفه وتغيير ديناميكياته، بل لإنكاره أصلاً والتشبث بواقع افتراضي زائف غير قائم، وأمل مغشوش لا أفق له. ينطبق الأمر نفسه على بعض أدعياء التفكير الاستراتيجي الذين يهملون الواقع وتحدّياته الماثلة والعاصفة التي تكاد تقتلع أوتاد الخيام، إن لم تكن قد اقتلعتها فعلاً، في حين يغوصون هم في استشرافات مستقبلية قائمة على تخرّصات وتكهّنات لا دور لهم في تحقيقها، أو أنها قد تكون (الاستشرافات) داخلة في سياق الأهداف غير المقصودة أو النتائج غير المتوقعة.
للأسف، لم تعد جدلية الأمل والوَهْمِ حبيسة الدراسات النفسية والاجتماعية، بل انتقلت عدواها إلى فضاء التحليل السياسي، أو ما يمكن وصفه بـالتحليل السياسي الشُعْبَويّ. واللافت أن التحليل السياسي الشُعْبَويّ لم يعد محصوراً في قنوات تلفزيونية ركيكة المستوى أو قنوات شخصية على يوتيوب، بل تحولت إلى بضاعة مزدهرة ومطلوبة على قنوات تلفزيونية أو يوتوبية ذات حضور وثقل. إنه فنُّ خداع الجماهير تساوقاً مع أشواقها، من دون أن يراعي هؤلاء أن تسويق الوَهْمِ قد يقود إلى انهيار المعنويات، والكفر بالآمال والطموحات عندما تنهدم القصور التي بنيت في الهواء وتدرك الجماهير أنَّ ما كانت تطرب لسماعه لم يكن أكثر من سراب
ارسال الخبر الى: