صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب اللغة العربية في ساحات الوغى دراسة في الأيديولوجيا والقلق والإرهاب لأستاذ الدراسات العربية المعاصرة ياسر سليمان معالي ويتضمن أربعة فصول تتمحور حول مواضيع الترميز والوصل والفصل والمغايرة والأيديولوجيات اللغوية وتداخلها مع الرمز والقلق والقلق اللغوي والقلق اللغوي العربي واللغة العربية والإرهاب والسياسة اللغوية الأميركية وغيرها خصص الكتاب لدراسة دور اللغة الترميزي من خلال الأيديولوجيا اللغوية والقلق اللغوي والإرهاب كذلك عد الصراع السياسي والاجتماعي في الكتاب منطلقا لإذكاء دور اللغة الترميزي في التعبير عن القضايا المجتمعية الما بعد لغوية فاللغة عادة لا يؤبه لها في الحياة اليومية العادية التي تتسم بالرتابة أما في حالات الصراع فإنها تطفو إلى السطح وخصوصا الصراع الهوياتي الجماعي لترسم الحدود بين الـ نحن والـ هم والـ مع والـ لا مع ولتفرز الصديق من العدو ولا يعني انخراط اللغة ترميزيا في الصراعات أنها سببها بل هي بعد من أبعادها وعرض من أعراضها وإفراز من إفرازاتها مختزنة في ذاكرة الشعوب التي تستخدم الدور الترميزي للغة في شكل لاإرادي خلال الصراع لتعبر عما قد يكون محظورا من دون أن تجرم نفسها ويضرب الكتاب أمثلة على ذلك من خارج اللغة ليوضح ارتباط الموضوع اللغوي بقوة بقضايا المجتمع الما بعد لغوية ما يسمح بالربط بين الدرس اللساني وعوالم السياسة والاجتماع يحيل الكتاب إلى أهمية السياقات التاريخية والمجتمعية في دراسة الوظيفة الرمزية للغة في حالات الصراع واستيحاء من العنوان اختار الكتاب من ساحات الوغى ميادين القتال في مضمار بحثه الأيديولوجيا والقلق والإرهاب وقد استعمل كلمة الوغى دون مرادفاتها الأخرى كـ القتال والحرب لأن كلمة الوغى لدى جمال الدين بن منظور هي القتال مع تداخل الأصوات والضوضاء والجلبة وهو تمثيل من المؤلف لاختلاط مماثل في الأيديولوجيا والقلق والإرهاب ويحيل الكتاب إلى أهمية السياقات التاريخية والمجتمعية في دراسة الوظيفة الرمزية للغة في حالات الصراع فهذه السياقات تخرج الرمز من التخمين إلى عالم الواقع كما يربط دورها الترميزي بأحداث عينية مثل الحملة الفرنسية على مصر ودعوات المستشرقين وإحلال الرسم اللاتيني محل العربي في الكتابة العربية واستبدال الفصحى بالعامية في مصر وإقصاء المشروع الصهيوني في فلسطين اللغة العربية وعلاقة أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 وتبعاتها باللغة العربية وقد أوضح الكتاب أيضا علاقة الدور الترميزي للغة الإنكليزية بالهجرة إلى الولايات المتحدة من أقطار أميركا اللاتينية وما شكلته من تهديد لدى بعض الأميركيين أو علاقة هذا الدور بالتنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة في عالم الفضاء وفي الحالة الفرنسية يشير الكتاب إلى قلق الفرنسيين من غلبة اللغة الإنكليزية الناتجة من العولمة على لغتهم الفرنسية بمعانيها الـما بعد لغوية أما الهدف من تنويع الأمثلة سالفة الذكر فإنه التشديد على كونية الهموم الترميزية التي تعبر عنها اللغات إذ لا تخلو أي ثقافة من هموم حول لغتها حقيقية أو متخيلة وانتفاء الهم اللغوي واستبدال الحنين والشجن به لا يكون إلا عند انقراض اللغة كما هو مبين في الحديث عن القلق اللغوي وعن أن الثقافة اللغوية العربية لا تغرد خارج السرب الإنساني يبحث الفصل الأول من الكتاب موضوع الترميز اللغوي من ناحيتين أولاهما إرساء مفهوم سيميائي للرمز يشمل اللغة ولا ينحصر فيها على الرغم من هلامية مصطلح الرمز وتعدد دلالاته بتعدد الحقول المعرفية التي يستخدم فيها وتعدد الأطر النظرية داخل كل حقل منها ثانيتهما ضرب أمثلة من الواقع العربي للاستدلال على استخدام اللغة العربية رمزيا في سياقات تاريخية محددة يبدو فيها مفاعل الصراع واضحا مع رفدها بأمثلة أخرى من ثقافات مختلفة تدعم التنظير الترميزي للغات البشرية وتتعلق أهم خصائص الرمز بدور اللغة في إنتاج هوية الجماعة عبر العصور والجغرافيا وبالتعبير عن هذه الهوية ومن بين الأمثلة الدالة على ذلك استخدام اللغة العربية المعيارية للتعبير عن الهويات القومية والإقليمية والإثنية والقطرية والطائفية في القرن العشرين في أطر سياسية تنتظم فيها استراتيجيات الوصل والفصل والتباين في بناء الأمة والدولة واستنادا إلى أهمية الصراع في إذكاء دور اللغة الترميزي تحدث الفصل عن تشابك الرموز وتعارضها وتصادمها فالرموز تخاطب العاطفة بفاعلية أكبر من مخاطبتها العقول بالحجة وتحدث أيضا عن أن استنهاض الهمم يتطلب العودة إلى ماض ذهبي يبعث في النفوس مشاعر العز والفخار أما الفصل الثاني فيتناول باستفاضة موضوع الأيديولوجيا اللغوية العربية وأسباب تأخر اللسانيات الحديثة في دراستها ويقدم لها فهما مبنيا على دراسات سابقة متجاوزا إياها في آن وهو شرط لوصل الدرس اللساني العربي بالحقول المعرفية الأخرى كالعلوم السياسية مثلا التي أولت مفهوم الأيديولوجيا بتقاطعاته مع علم الاجتماع أهمية كبرى وذلك بنفس نقدي يتيح التحرر من المفهوم الماركسي للأيديولوجيا المحرض ضد خوض هذا الموضوع في الدرس اللساني العربي انطلاقا من أن الأيديولوجيا وعي زائف في فهم حركية التاريخ وقد ركز الفصل على الإيمان بغائية وظائف الأيديولوجيا في المجتمع ضاربا أمثلة متعددة ومتباينة لتمثلات الأيديولوجيا اللغوية في الثقافة العربية ورابطا بعضها بسياقاتها التاريخية أما اللغويات الشعبية فأكد الفصل أهميتها في فهم الشأن اللغوي عبر ربطها بالأيديولوجيا اللغوية وتأثيرها في السجالات الأيديولوجية المؤثرة بدورها في السياسات التعليمية سلبا وإيجابا وخصص الفصل الثالث لدراسة القلق اللغوي بمزاوجة النظرية والتطبيق في موضوع غاب فيه التنظير في الدرس اللساني الحديث وهو تنظير قاربه الفصل باحتراز منهجي خشية العسف في تعميم مفهوم يختص بفرد وهو أمر حذر منه لويس كوسر في دراسته وظائف الصراع الاجتماعي من ناحية أخرى خصص الفصل الرابع وهو في الأصل دراسة متعلقة بالإرهاب وضع نصها الأساس باللغة الإنكليزية وترجم لنشره بالعربية قبل أن ينشر بالإنكليزية لدراسة رمزية اللغة من خارجها وتحديدا من الولايات المتحدة في أعقاب هجوم 11 أيلول سبتمبر وتأثيره في الفضاء اللغوي وبعد تقدم مقولة خطر أذناب المستعمرين على اللغة العربية في الفصول السابقة يتعرض هذا الفصل لتحليل صورة نمطية معاكسة تنظر إلى اللغة نظرة تربطها بالإرهاب الذي لحق بالولايات المتحدة وقد بين الأدلة الميدانية التي تدل على أهمية الوظيفة الرمزية للغة مقابل وظيفتها الأداتية وفي المقابل تعرض لكيفية نشوء فهم لدينا لـالآخر الذي قد يكون الأجنبي كالأميركي في الدرجة الأولى وقد يكون ابن اللغة نفسها كما هو الشأن في حالة الحرب الأهلية اللبنانية