في وهم الأميركي المخلص
في كل مرّة تُغلق فيها أبواب التغيير من الداخل، يبدو الاعتماد على قوى كُبرى، في مقدّمتها الولايات المتحدة، الملاذَ الأخير المعقول في الخيال السياسي للشعوب المُضطهَدة، قبل الوقوع في اليأس التام؛ قوة تقفز بالمظلات لإطاحة الطاغية، أو لحماية أقلية خائفة، أو لتفرض انتخابات مُؤجَّلة. لكن حين نغادر منطقة الرغبة لنقف في دائرة الخبرة والتاريخ، يتّضح أن السعر المدفوع غالباً يكون أعلى من الوعود، وأن المخلّص لا يهبط من السماء، بل يأتي من الباب الخلفي شريكاً في إعادة إنتاج أزمات جديدة (المسار الأميركي المستمرّ في العراق، وفنزويلا في الطريق؟). اعتمدت (وتعتمد) أنظمةٌ عربيةٌ على واشنطن للبقاء في قيد الحياة، قدّمت (وتقدّم) نفسها نظاماً براغماتياً في مكافحة الإرهاب، وحرسَ حدودٍ مطيعاً، وبوابةً جاهزةً لتطبيع العلاقات الأمنية والاقتصادية مع إسرائيل. هنا تلتقي المعارضة والسلطة في وهم الأميركي المخلّص.
في سورية ما بعد بشّار الأسد، تسلّم أحمد الشرع السلطة في بلد مُنهَك؛ أقليات مذعورة تخاف انتقاماً أو تكرار تجارب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وسواهما من تنظيمات جهادية، وأكثرية منهكة تحمل خليطاً من اليأس والغضب، لا تعرف ما إذا كانت قد خرجت منتصرةً أم مهزومة بعد تضحيات كبيرة في مواجهة نظام الأسد، لكنّها تشعر بأنها خرجت مكسورة. الشرع نفسه يحمل سيرة مُعقَّدة: مقاتل سابق صُنَّف في لوائح الإرهاب، تحوّل رئيساً انتقالياً برعاية تفاهمات إقليمية ودولية معقّدة. يجعل هذا علاقتَه بالأميركيين مزدوجةً: هم من اعتقلوه وحاربوه يوماً، ثمّ يُضطرّ للتعامل معهم بوصفهم اللاعب الأجدر بضبط إيقاع النظام الإقليمي المحيط بسورية. ومنذ تسلّم السلطة، وجد نفسه في مواجهة السؤال: هل يبني شرعيته على تفاهمات داخلية صعبة مع مكوّنات المجتمع السوري، أم على ضمانات خارجية سريعة من واشنطن؟
قد يبدو الرهان على أميركا، والتفاهم مع إسرائيل، رابحاً في المدى المنظور: رفع العقوبات، وموازنة النفوذَيْن التركي والروسي، وضوء أخضر لتدفّق الأموال الخليجية والغربية لإعادة الإعمار. لذلك يمضي الشرع متمسّكاً بمظلّة أميركية، مقابل تنازلات أمنية وسياسية في ملفّات متعدّدة. لكن هذه الاستراتيجية في المديَيْن المتوسّط والبعيد، ومهما بدت
ارسال الخبر الى: