وجوه بين السياسة والفكر

38 مشاهدة

لم يكن عبد الخالق محجوب، أوّل أمين عام للحزب الشيوعي السوداني وأبرز وجوه اليسار في بلاده وفي العالم العربي، وأعدمه جعفر النميري في مطالع سبعينيات القرن الماضي، هو ونخبة من رفاقه، بينهم الشفيع أحمد الشيخ، زوج القائدة النسوية الراحلة فاطمة إبراهيم. يومها كتب الشهيد الكبير كمال جنبلاط مقالاً مطوّلاً في النهار البيروتية، قرأه اللبنانيون والعرب، استفظع فيه هول ما حدث: كيف تجرأ النميري على أن يُعلّق على المشنقة محجوب، وهو رجل الحوار والوعي المتقد، الذي أعطى السودان واحداً من أهمّ تياراتها السياسية.

أذكر أنّ الشاعر محمد الفيتوري أتى البحرين بعد تلك الفاجعة بسنوات قليلة جداً، وأقام فيها أمسيات شعرية، في العاصمة، المنامة، وفي المحرق، وكذلك في القرى، وفي كلّ تلك الأمسيات ألقى قصيدته الرائعة في رثاء محجوب. واحدة من هذه الأمسيات أقيمت في إحدى القرى، لم تكن شوارعها مضاءة بعد، وفي ليلةٍ ممطرة، لكن المطر لم يمنع الناس من الحضور الكثيف، حين همّ الفيتوري بالنزول عن المنصّة في ختام الأمسية من دون أن يلقي القصيدة، فاجأه الجمهور المحتشد في الصالة بإلحاح ألا يبارح مكانه قبل إلقائها .

لم يكن محجوب مجرد رجل سياسة وقائد حزبي مرموق، وإنما كان أيضاً كاتباً ومحللاً ذا بصيرة، تجلّت في كثير من مساهماته الفكرية التي أعادت دار عزة للنشر والتوزيع إصدارها في كتيبات جديرة بالاهتمام، ليس لأنّها تُعرفنا بالبروفايل الفكري لعبد الخالق محجوب، الذي لم ينل في البلدان العربية الأخرى غير السودان، الاهتمام المطلوب، حيث طغى بروفايله بوصفه مناضلاً سياسياً وشهيداً صاحب قضية وموقف، وضحية للديكتاتورية، التي غيّبت عن السودان وأجياله المختلفة وجهاً مضيئاً، وإنّما أيضاً لأنّها تتناول قضايا لم تتقادم أبداً، رغم مضي عقود طويلة عليها، بل إنّ في بعضها ما يمكن وصفه بالاستشراف والنبوءة للمستقبل، ومنها بحثه المهم حول فلسفة الإخوان المسلمين، الذي ناقش فيه بعمق أطروحات مُنظر الجماعة سيد قطب، بروح الباحث الرصين ومنهجه، الذي يُناقش الفكرة ولا يستهدف صاحبها شخصياً، بدليل أنّ محجوب لاحظ أنّ كتاب سيد قطب: معالم في الطريق

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح