تشكل الاستعانة بمصادر خارجية لرعاية الأطفال استراتيجية شائعة بين نساء الصين العاملات فالعمل في المدن الكبرى يحتم على النساء اقتسام واجبات الأمومة مع مربيات يعملن بالأجرة نتيجة الانشغال في الوظيفة وضيق الوقت ومع ذلك فإن هذا التحول لا يعادل التحرير الكامل لأنه يتحقق من خلال تفويض واجبات الأمومة والتي تقع عادة على عاتق الأقارب الإناث والجدات مع تقاسم المسؤولية بين جيلين وحين يستعصي الأمر بسبب كبر سن الجدات وصعوبة التأقلم مع واقع المدينة تتجه النساء إلى البحث عن مربيات صغيرات السن لرعاية أبنائهن وإن كان ذلك يكبدهن تكاليف باهظة ويبقى ذلك خيارا إلزاميا وليس ترفا أو مؤشرا على رغد العيش في المدن الكبرى وبحسب تقرير للمكتب الوطني للإحصاء في الصين صادر عام 2023 بلغ متوسط كلفة تربية طفل منذ سن الولادة وحتى 17 عاما في جميع أنحاء البلاد 538 ألف يوان صيني حوالي 74 ألف دولار أميركي بينما بلغ متوسط تربية طفل في المدن الصناعية الكبرى مثل بكين وشنغهاي وشينزن عن الفئة العمرية نفسها 936 ألف يوان حوالي 132 ألف دولار أميركي خيارات محدودة جانغ سون وهي أم لطفلين تعمل في مجال التعليم في مدينة شينزن جنوبي البلاد تقول في حديث لـالعربي الجديد إنه نظرا لانشغالها الدائم وقضاء وقت طويل في مجال التعليم للمرحلة المتوسطة اضطرت للاعتماد على أم زوجها في رعاية طفليها لكنها واجهت مشاكل تتعلق بطريقة التربية واختلاف أسلوب التعامل بالإضافة إلى عدم التفاهم بسبب فارق السن وبعد ستة أشهر فقط قررت الاستغناء عن حماتها والاستعانة بمربية تعمل بالأجرة وتوضح أن هذه الخطوة كبدتها تكاليف باهظة إذ يبلغ الراتب الشهري للمربية 4500 يوان صيني حوالي 615 دولارا تضيف أن بعض زميلاتها في العمل يعتقدن أنها تعيش حياة مترفة نظرا لاعتمادها على مربية لرعاية أبنائها لكن الحقيقة أنها مرغمة على هذه الخطوة لأنه لا يوجد أمامها خيار آخر سوى ترك الوظيفة والبقاء في المنزل لكن هذا سيضاعف من الأزمة على حد قولها لأن دخلا واحدا راتب زوجها لا يكفي لتغطية مصاريف العيش في المدينة خصوصا لمن لديهم أكثر من طفل واحد قاسم مشترك ويقول أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة صن يات سن وي لي فنغ لـالعربي الجديد إنه مع زيادة عدد الأسر ذات الدخل المزدوج غالبا ما يواجه الأزواج الشباب صعوبات في رعاية الأطفال ولحل هذه المشكلة يختار العديد منهم ترك أطفالهم في رعاية أجدادهم مع ذلك فإن هذا الترتيب لا يسير دائما بسلاسة ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل أسرية نتيجة صعوبة التناغم والتواصل بين الأجيال في ظل تباعد الأفكار واختلاف أساليب التربية وبالتالي يكون الحل الأمثل اللجوء إلى الاستعانة بمربيات صغيرات السن للقيام بهذه المهمة ولكن هذا التوجه أيضا يكبدهم مصاريف باهظة قياسا إلى مستوى المعيشة والدخل في المدن الكبرى ويشير إلى أن ذلك أحد أسباب عزوف الأزواج عن إنجاب مزيد من الأطفال رغم الحوافز الحكومية ويضيف حتى الشباب يفضلون حياة العزوبية على الزواج لأن معاناة رعاية الأبناء قاسم مشترك بين شريحة كبيرة من المجتمع الصيني ويلفت الأكاديمي إلى أن الكلفة العالية للرعاية تعتبر من أهم العوامل السلبية التي تؤثر برغبة الأسر في الإنجاب يضيف لهذا السبب هناك حاجة ملحة على المستوى الوطني لإدخال سياسات للحد من كلفة الإنجاب والرعاية في أقرب وقت ممكن وتشمل التدابير المحددة الإعانات النقدية والضريبية وإعانات شراء المنازل وبناء المزيد من دور الحضانة وتوفير إجازة أمومة متساوية للرجال والنساء وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد حث النساء على تحمل مسؤوليات أسرية أكبر والتركيز على الدور الفريد للمرأة في تعزيز الفضائل الأسرية للأمة الصينية وتأسيس تقاليد عائلية جيدة مع ذلك فإن التطور والتغيرات في الحياة الاجتماعية دفعت العديد من الشباب الذكور والإناث إلى الابتعاد عن مسقط رأسهم والانتقال إلى المدن الكبرى من أجل العمل ونتيجة الانفصال الجغرافي وحقيقة أن الأهل لم يتقاعدوا بعد تكون ممارسة الأبوة والأمومة مشكلة صعبة بالنسبة للأسر الحديثة وسجلت البلاد خلال الأعوام الماضية معدلات قياسية في العزوف عن الإنجاب رغم حوافز الحكومة الصينية المعنية بشيخوخة السكان وتظهر البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء أن عدد المواليد في الصين سيصل في نهاية عام 2025 إلى 9 03 ملايين بمعدل مواليد 6 4 وفي عام 2021 انخفضت معدلات المواليد في الصين إلى 7 5 لكل ألف شخص وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 واستمر عدد المواليد في الصين في الانخفاض منذ عام 2017 كما تراجع عدد المواليد عام 2024 للعام الثامن على التوالي ووفقا لوسائل إعلام رسمية تقترب الصين فعلا من سيناريو الشيخوخة المعتدلة إذ يبلغ عمر 20 من سكانها 60 سنة أو أكثر ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 30 بحلول عام 2035 أي أكثر من 400 مليون نسمة وفي عام 2023 لم تعد الصين الدولة الأكثر سكانا في العالم إذ تنازلت عن اللقب للهند بعدما كانت الدولة الأكثر سكانا في العالم منذ عام 1950 على الأقل حين بدأت الأمم المتحدة في تسجيل الأرقام لكن يتوقع أن تشهد انخفاضا حادا في عدد السكان على مدار العقد المقبل