نحتاج لنهر الجنون

نحن نعيش فى عالم مختل، وعلينا أن نشرب من نهر الجنون حتى نتكيف مع هذا الواقع. فما قيمة نور العقل وسط مملكة من المجانين؟.. هذا السؤال يلخص القضية الفلسفية التى عالجتها مسرحية نهر الجنون للكاتب الكبير توفيق الحكيم ويلخص فى الوقت نفسه واقعا مريرا، تصنعه نخب وقيادات مختلة فى عالم مضطرب. فى القصة الخيالية، شرب الناس من نهر الجنون ففقدوا عقولهم وصار الذى لم يشرب من النهر ومحتفظ بعقله هو غريب الأطوار والمجنون فى نظر المجتمع المختل.
وفى واقعنا على ما يبدو سيتم إعادة برمجة البشرية بحيث تستقبل المصحات العقلية سليمى التفكير لا المختلين عقليا، ثم يطلقون إلى المجتمع بعد ضرب سلامة تفكيرهم، وعندما يدركهم الخلل كليا يحصلون على شهادة تقول إنهم اسوياء. فقط ليغدو الكل واحدا، ويتأقلم الكل مع هذا الخلل، ويقبل بمنهج تعزيز التفاهة، ونغدو فى واقع هو أسوأ من خيال مأساة نهر الجنون. نرقب هذا التصفيق للقتل، وشرعنة الفوضى وتمجيد الحروب فى محافل صُمّمت لصنع السلام.
ومنذ صفق العالم لقنبلة هيروشيما وحتى خنوعه حول دمار غزة نجد مسار الانهيار القيمى مستمرا.
أنظر إلى أهم محفل دولى أى الأمم المتحدة، يجتمع الناس ويقررون فى اجتماع الجمعية العمومية قرارا يصوت له كل العالم مقابل اعتراض صوتين فقط!! ولا يسرى إجماع العالم.
ولا يحترم رأى 187 دولة مقابل صوتين (أمريكا وإسرائيل)، أو بالأصح هنا صوت واحد بنغمتين. وما زلنا نسمى نظام الأمم المتحدة بأنه أرقى خطوات التطور الحضارى والديمقراطى للإنسان الحر؟! . بل وأنه منبر الديمقراطية والمساواة واحترام الآخر !. أى آخر مقصود؟.
هنا نحتاج إلى ألف علامة تعجب.
إذاً كيف يكون الجنون إذا لم يكن هذا؟.
فيما مضى كان الإنسان يصنع الأسلحة من أجل الحروب ونسمى ذلك همجية، الآن صار يصنع الحروب من أجل بيع الأسلحة ونسمى ذلك حضارة وتمكنا!.
نحن فى حقيقة الأمر نجتمع فى لقاءات صاخبة لنقول لأنفسنا لو كان هناك ما هو أهدأ من الصمت لفعلنا. وندرك أننا فى غابة تعمل بمنطق أدركه الطير قبل الإنسان،
ارسال الخبر الى: