منحوتات كمال الفقي مواجهة الجسد مع رغباته

35 مشاهدة

حين نتأمل الأجساد البرونزية التي يقدمها الفنان المصري كمال الفقي، نجدها تقف على حافة التوازن بين الوضوح والاختزال كأنها تتجسد في لحظة وجودية مشحونة بالمعنى. الملامح تكاد تختفي، فلا يترك الفنان سوى هيئة بشرية مجردة، كتلة متماسكة تذكّرنا بأن الإنسان، في النهاية، ليس مجرد ملامح أو تفاصيل دقيقة، بل هو أولاً وأخيراً ذلك الكائن الذي يسعى نحو غاية، ويشدّ ذراعيه ليمسك بالصندوق الذي يمثّل حاجته أو يرفعه عالياً كأنه يعلن امتلاكه للهدف. في كل منحوتة يبدو الجسد في حوار صامت مع الصندوق، في عناق أو صراع، في احتضان أو حمل ثقيل، لتصبح الحركة ذاتها مرآة للجدل الذي يسكن الداخل.

في معرضه القاهري صندوق شوبنهاور المستمر في غاليري بيكاسو حتى مساء اليوم، يستحضر الفقي شوبنهاور، الفيلسوف الذي جعل من الإرادة جوهر الوجود؛ هذه الإرادة التي لا تهدأ والتي تدفع الكائن إلى البحث الدائم عن الرغبة، هي نفسها ما يحاول الفنان أن يجسّده مادياً. خامة البرونز هنا تبدو شاهداً على صراع داخلي، مادة صلبة تحمل فوق سطحها أثقال الزمن وتحوّلاته، مثلما يحمل الإنسان رغبته وهدفه عبر مسار شاق. في هذه الاستعارة يلتقي الفلسفي بالبصري، وتتحول المنحوتة إلى ساحة حوار بين أفكار الفنان والكتلة النحتية.

من خلال هذه الأعمال، يُعيد الفقي تعريف العلاقة بين الفرد وغاياته، فهو يضع الإنسان الفرد في مواجهة مباشرة مع رغبته الخاصة. ليست المسألة هنا في المفاضلة بين الفردي والجماعي، بل في الكشف عن أن جوهر الإنسان يكمن في امتلاكه للهدف، سواء كان هذا الهدف جزءاً من حلم جمعي أو رغبة شخصية. إن لحظة الإمساك بالصندوق هي، في الوقت نفسه، لحظة انتماء إلى العالم وانفصال عنه، لحظة إعلان الذات بوصفها كائناً يملك غاية.

يبدو البرونز شاهداً على صراع داخلي، ويحمل فوق سطحه ثقل الزمن

وإذا كان الفقي قد اختار البرونز ليشكّل منه هذه المنحوتات، فلأنه يبحث عن لغة قادرة على حمل هذا المعنى الكثيف. فالبرونز، بلمعانه الذي يتقاطع مع الصدأ والبقع الخضراء، يوحي بالقِدم والخلود معاً. إنه معدن

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح