في ملكوت عبارة لا أدري
قد تُحيل عبارة لا أدري للوهلة الأولى إلى افتقاد المعرفة والعلم والدراية، أو إلى التردد في اتخاذ القرار عند مواجهة الغموض، فيستحيي البعض من قولها خشية الازدراء أو التنمّر أو الاتهام بالجهل والنقص. غير أنّ هذه العبارة قد ترقى إلى حالة ذهنية يتشابك فيها النفسي مع الفكري والثقافي، وتختلف قراءتها بحسب قناعات وتصورات قائلها ومتلقيها.
في عالم المعرفة الفسيح، تكتسب لا أدري معنى ثقيلاً، وتتحول إلى فلسفة ونمط عيش يستقر في وجدان كبار العلماء والمفكرين والفلاسفة والحكماء والفنانين. إنهم أناس عرفوا قدر أنفسهم، وجالوا في دروب العلم والممارسة، وخبروا الخيبات والنجاحات، فبنوا نمط حياة نوعياً يخرج عن المألوف ويتحرك وفق رؤية متمردة على النمطية، تعيد بناء الذات باستمرار.
تستبطن العبارة معاني عميقة وأبعاداً متداخلة، تمزج بين البساطة المنبعثة من قلب التعقيد، وبين الوضوح المتولد من عمق الغموض. إنها رحلة فكرية وروحية زاخرة بالمكابدة والجهاد الذاتي، تستحق التأمل والتدبر.
لا أدري كمقام
هو مقام يُطلب بالسعي والعمل والعزيمة، لا يُمنح ولا يُشترى، بل يُنال عبر ترسيخ القيم الإنسانية والروحية، والابتعاد عن إغراءات الماديات ونزوات الغرائز. إنه مقام يحفظ لصاحبه الاستقلالية وعزة النفس، ويستلزم إدراكاً عميقاً بأهمية المعرفة الحقة والانخراط في مجابهة البُنى الذهنية والفكرية السائدة، والتحرر من الأوهام ومن قيود الأنا، والسعي الدؤوب لهدم التصورات الجاهزة والغوص في جوهر الحياة ومعانيها.
لا أدري كنمط تفكير
العبارة هنا تتحول من فكرة إلى تصور ثم قناعة ففلسفة حياة، إذ تمنح صاحبها الرفعة والسكينة حين تذكّره بحدود معرفته وحقيقة ذاته. لا أدري تزرع في العقل نزعة الشك البنّاء، وتُبعده عن الجزم، وتدفعه إلى التحليل بدل الاختزال، والتريث بدل التسرع، والتفكير العميق بدل الأحكام السطحية.
إنها دعوة إلى التواضع والرزانة، والنجاة من مفاسد الإعجاب بالنفس والغرور العلمي، وتُبقي الهمّ منصباً على اكتشاف حقيقة الجهل وتواضع المعرفة الإنسانية مهما بلغت.
لا أدري تتحول من فكرة إلى تصور ثم قناعة ففلسفة حياة، إذ تمنح صاحبها الرفعة والسكينة حين تذكّره بحدود معرفته وحقيقة ذاته
لا أدري كعلاج وشفاء
ارسال الخبر الى: