ماذا لو حاصر اليمن موانئ الإمارات

حين اختارت الإمارات أن تكون جزءًا من العدوان على اليمن، لم تفعل ذلك بدافع الأمن ولا تحت راية الشرعية المزعومة، بل دخلت بثقلها المالي والعسكري وهي تحمل مشروعًا واضحًا: السيطرة على الجغرافيا، وتفكيك الدولة، وتحويل الموانئ اليمنية من شرايين سيادية إلى أوراق ضغط، في واحدة من أكثر صور الاستعمار الاقتصادي فجاجة في المنطقة. ظنّت أبوظبي أن اليمن ساحة مستباحة، وأن البحر حكرٌ على من يملك المال والسلاح، لكنها تناست أن من يجعل الحصار أداة حكم، قد يُحاصر يومًا بالمنطق نفسه.
فالاقتصاد الإماراتي، الذي يُسوَّق عالميًا بوصفه نموذجًا للنجاح والاستقرار، هو في جوهره اقتصاد هشّ قائم على العبور والخدمات وعلى الموانئ، وميناء جبل علي، الذي تتباهى به الإمارات كأيقونة للقوة، ليس سوى نقطة ارتكاز خطرة، لأن أي مساس بحركة الملاحة فيه لا يعني تعطّل رصيف أو تأخير شحنة، بل يعني اهتزاز صورة الدولة بأكملها، وانكشاف الوهم الذي بُنيت عليه سمعة “البيئة الآمنة”. فالدول التي تعيش على ثقة الآخرين، تموت اقتصاديًا عند أول شرخ في تلك الثقة.
ولو فُرض حصار يمني على موانئ الإمارات، أو حتى اضطراب بحري مرتبط باليمن، فإن الضربة ستكون عسكرية بقدر ما ستكون استراتيجية عميقة، وستضرب قلب النموذج الإماراتي القائم على الأمن المطلق، حينها لن تتأثر الإمارات وحدها، بل ستتدحرج الخسائر على شركات الشحن، وسلاسل التوريد، والتأمين البحري، والاستثمارات الأجنبية التي لا تعرف الولاء بل تبحث عن الاستقرار فقط. وما إن تهتز صورة الميناء، حتى تبدأ السفن بالبحث عن بدائل، لأن التجارة لا تنتظر أحدًا.
المفارقة القاسية أن الإمارات التي ساهمت في خنق الموانئ اليمنية، وتعطيلها، وتحويلها إلى أطلال سياسية، تعتمد في بقائها الاقتصادي على ألا يتكرر المشهد ذاته عندها. فالدولة التي شاركت في تجويع شعب بأكمله عبر الحصار، لا تملك رفاهية تحمّل حصار مماثل، لأن اقتصادها لا يصمد دون تدفق يومي مستمر للبضائع، ولا يحتمل أن يُصنّف ضمن مناطق الخطر أو النزاع. فالفارق بين اليمن والإمارات ليس في الحق، بل في قدرة كل طرف على تحمّل الصدمة.
ارسال الخبر الى: