مكافحة الإرهاب أم دعمه ورعايته
بينما ظهرت موجة تفاؤل سبقت اللقاء الثالث بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب في البيت الأبيض على خلفية تصريحات للأخير، شدّد فيها على وجوب إنهاء الحرب في غزّة، وعلى الاستعداد للضغط على نتنياهو، فإن هذا التفاؤل لم يلبث أن تراجع، إذ لم تطابق النتائج المقدّمات والتوقّعات، وما حدث أن نتنياهو قلّل من مماطلته وتهرّبه، وعاد بعض الزخم إلى التفاوض غير المباشر بين حركة حماس وحكومته برعاية الوسطاء الثلاثة.
لنلاحظ في هذه الفترة (يوليو/ تموز الجاري)، أن الأنباء من غزّة تزايدت عن مُجوَّعين سقطوا، إمّا من الجوع الشديد المصحوب بإعياء تام (المسغبة)، أو برصاص الجنود الإسرائيليين، أو برصاص مرتزقة ما سُمّيت مؤسّسة غزّة الإنسانية، وهم مجموعة من القتلة الأميركيين ومتعدّدي الجنسيات، يعملون بإشراف حكومة نتنياهو. وقد اشتدّت ظاهرة التجويع منذ مطلع العام الحالي (2025)، وتزامنت مع استبشار أركان حكومة نتنياهو بعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وبينما يطلق المبعوث ستيف ويتكوف، منذ ما لا يقل عن عشرين أسبوعاً، تصريحات متكرّرة عن جهود مستمرّة لإنجاح المفاوضات، فإن الحرب في الأثناء تستمرّ بوتيرة خاصّة، فهي تركّز في المدنيين العزّل المنكوبين في الخيام أو مراكز الإيواء، مرفوقةً بتضييق الحصار، ومنع المساعدات الخارجية عبر بوابة رفح.
لا يلاحظ الرئيس ترامب، ولا مبعوثه ويتكوف، أن حرب نتنياهو تركّز في الأطفال والنساء، ويبدي أركان هذه الإدارة حرصاً تاماً (وحرفياً) على عدم إبداء أيّ تعاطف مع الضحايا وذويهم، ممّن يسقطون بالعشرات يومياً، وقد حدث أن وصف ترامب الحرب بأنها وحشية، من دون أن يحدّد من هم الوحوش ومن هم الضحايا. ومن دون أن تبدُر عن إدارته أيّ دعوة علنية لنتنياهو وجنرالاته إلى الكفّ عن قتل المدنيين، فما شأن قتل الأطفال والنساء والعائلات بالجملة وبوحشية مفرطة في الحرب بين إسرائيل وحماس؟
واقع الحال أن لا علاقة لهذه الجرائم المقزّزة بالحرب، فهي وقائع قائمة بذاتها، وذات أهداف مستقلّة ترمي (في القرن الحادي والعشرين) إلى محو الكتلة البشرية في غزّة، ومن السخف الشديد، واللؤم الأشدّ، تصويرها ضغطاً عسكرياً، فاستهداف المدنيين ليس نشاطاً عسكرياً،
ارسال الخبر الى: