مسرحية أمولا نوبة بريخت في قالب مغربي
اخترت أن يمرّ نص بريخت عبر الكوميديا، حتى يتسلّل إلى المتفرّج بسلاسة ويبقى في ذاكرته بعد انطفاء الأضواء، يقول المخرج عبد النبي البنيوي عن عرضه الجديد لمسرحية أمولا نوبة الذي استضافه مسرح محمد الخامس بالرباط. فالعرض الذي كتبه بوسرحان الزيتوني مقتبسا نص برتولت بريخت رجل برجل (1927) هو محاولة فنية جريئة لإعادة إنتاج نص عالمي غني بالدلالات، مع الحفاظ على جوهر الفكرة البريختية وزرعها في تربة مغربية خصبة بالرموز الشعبية واللهجة الدارجة، ما جعل العرض، الذي قُدم في الثاني عشر من الجاري، أقرب إلى حوار ثقافي بين نص كلاسيكي وروح محلية نابضة.
في نص بريخت، يتصدر السؤال الجوهري: ماذا يبقى من الإنسان إذا جُرّد من اسمه وتاريخه وملامحه، وأعيد تشكيله ليصبح ترساً في آلة أكبر؟ مخرج العمل، عبد النبي البنيوي أبقى على السؤال نفسه، لكنه صاغه من جديد في قالب مغربي، حيث السلطة لا تقتصر على المؤسسة العسكرية وحدها، بل تمتد إلى شبكة المصالح والهيبة الاجتماعية. في هذا السياق، يتجسد الغالي بديلاً لشخصية كالي كاي؛ الرجل البسيط الهش أمام ضغوط الحياة، والذي يلتقطه ثلاثة عساكر بعد فقدان رفيقهم الوالي، فيشرعون في هندسة تحوّله ليحل محله داخل منظومة متشابكة من الأوامر والولاءات.
نقد آليات السلطة الاجتماعية والاقتصادية في السياق المغربي
المحطة الأولى في التحوّل تبدأ من السوق، حيث يلتقي الغالي بالزاهية (السعدية لاديب)، امرأة تجمع بين الدهاء والفتنة، تعرض عليه سمكة وكيلو خيار وفوقهما قبلة، ليحمل قفافها حتى منزلها/المقهى -الماخور الذي تديره. هناك، في فضاء يختلط فيه صخب الزبائن بصلابة العسكر، تتفق الزاهية مع العساكر الثلاثة على استمالته، مموهةً نياتها الحقيقية خلف ابتسامة عريضة وإيماءات محسوبة، في لعبة تلتقي فيها المصالح العسكرية بالعاطفة.
قبل ذلك، نراه مأخوذاً بسحر المكان وهو يستمع إلى موسيقى البلوز، رغم أنّ قلبه لا يعرف إلا إيقاعات العيطة. يجلس منتظراً أجره البسيط، حين يدخل الجنود لاستمالته، متنقّلين بين التهديد واللين؛ يعزف أحدهم على الناي، فيما يسرد الآخران حكايات مختلقة، كأنهم يحيطونه بشبكة
ارسال الخبر الى: