يستطيع الإصلاح سرد الكثير من المواقف التي يعدها محطات مضيئة في مسيرته السياسية والتنظيمية غير أن العلامة الأبرز والأكثر إشراقا في تاريخه كما أعتقد تظل موقفه من الدولة بوصفها قيمة عليا ينبغي تعزيزها وصونها وقدرته على التمييز بين مفهوم الدولة باعتبارها إطارا ضامنا للاستقرار وبين السلطة كجهاز حكم خاضع للنقد والمعارضة والقبول أو الرفض منذ نشأته عام 1990م حمل الإصلاح في وعيه انحيازا صريحا لفكرة الدولة حيث ظل في خطابه وممارسته يميز بين مفهوم الدولة كإطار وطني جامع ومفهوم السلطة كأداة حكم تتغير بتغير الموازين السياسية ويستطيع أي متابع القول بأن السلطة في أدبيات الإصلاح ليست إلا متغيرا سياسيا بينما الدولة ثابت وجودي هذا الموقف تعبير أصيل عن معنى الدولة التي لا يمكن لأي مجتمع أن يحيا بدونها وبما هي كيان جامع يضمن بقاء الناس تحت مظلة آمنة في إطار القانون والشرعية ويحول دون الانزلاق إلى فوضى تتنازعها الميليشيات أو الجماعات المنفلتة يقدم الحزب غالبا شواهد كثيرة كدليل على هذا الوعي من بينها مواقف مابين التأسيس والمشاركة الأولى في السلطة بموجب نتائج أول انتخابات برلمانية في ٩٣ وموقفه من الدولة بعد خروجه من السلطة في ٩٧ ويتحدث عن تجربته في المعارضة واللقاء المشترك بأنها كانت لحماية المكتسبات من الضياع والدولة من الاستبداد لكن وبشكل دقيق يتجلى أكثر وعي الإصلاح بالدولة في محطتين فاصلتين الأولى في ثورة فبراير 2011 حين انحاز بكل ثقله إلى مطلب التغيير السلمي وفي نفس الوقت بقي متمسكا بانتقال يحافظ على كيان الدولة وهو الموقف الذي أدى كما ظهر حينها إلى تدهور في علاقته بشركاءه السابقين في المشترك وقاد عمليا إلى انفراط عقد التكتل بعد فترة وجيزة من ذلك الحدث أما المحطة الثانية فكانت بعد انقلاب الحوثي في 2014 وهنا تبدو مظاهر حرص الإصلاح على الدولة أكثر من أي محطة سابقة إذ دعا منذ اليوم الأول للانقلاب بشكل منفرد اليمنيين إلى مقاومة الإمامة وسرعة التحرك للحفاظ على النظام الجمهوري وشجع أعضاءه وأنصاره واليمنيين عموما على الانخراط في العمل العسكري لمواجهة النسخة الجديدة من الإمامة ثم وبعد انتصار المقاومة الشعبية وكان جلها من أعضاءه أو قريبين منه وتحرير عدة مدن دعا الإصلاح إلى سرعة دمج المقاومة في القوات المسلحة في إدراك مسؤول لخطورة تحولها إلى كيانات موازية تحمل السلاح وتعمل خارج سلطة الدولة يفسر الإصلاح موقفه هذا بشكل مقنع وبحسب تصريحات قياداته يعتقد أن الحفاظ على الدولة حفاظ على الكيان السياسي والجغرافي لليمن وحفاظ كذلك على الإنسان اليمني بما يضمن حريته وكرامته وفي بعد آخر يرى الإصلاح في هذا التمسك حفاظا على مكتسبات ثورة 26 سبتمبر وفي مقدمتها مكسب النظام الجمهوري غير أن بعض خصوم الحزب يفسر موقف الإصلاح بكونه مستفيد من الدولة والبعض يقول أنه يمرر أجنداته عبرها ويعده عيبا ولربما كان للإصلاح مصلحة من ذلك بالفعل لكني أرى نضجا ووعيا متقدما في حرصه على عدم التحول إلى كيان مواز للدولة لتمرير مشاريعه والإلتزام بطريق الوصول إلى السلطة لتنفيذها طالما لا تتصادم مع الثوابت الوطنية وهذه هي المهمة الرئيسية للأحزاب في كل العالم وإلا ماهي الحزبية وما فائدة التنافس بالبرامج وعرضها على الناس لحصد تأييدهم