محمود فرشجیان رحلة فنان الروحانيات في المنمنمات
في بيت مليء بالكتب والمخطوطات النادرة بمدينة أصفهان، حيث كان والداه يحييان أمسيات الجمعة بقراءة شاهنامه للفردوسي وأشعار سعدي الشيرازي، ركض، ذات يوم، الطفل محمود فرشجيان ليجلب كتاباً لوالده، لكنه سقط وارتطم رأسه بالأرض، الأمر الذي أفقدَه بصرَه لستة أشهر، وعندما استعاده، انفتح أمامه عالم لا حدود له من الألوان والأشكال. تجربةٌ أثّرت عميقاً في ذاكرة الفنان العالمي، الذي رحل عن عالمنا السبت الماضي، في الولايات المتحدة الأميركية، عن عمر يناهز 95 عاماً.
وُلد محمود فرشجيان عام 1930، ونشأ في كنف عائلة تهتمّ بـ الفنون، حيث جاء احتكاكُه الأول مع الفن من خلال زيارته الأولى لمدينة كربلاء في أربعينيات القرن الماضي، والتي اصطحبته فيها أمّه. تركت تلك الزيارة بصمة واضحة على فنّه ذي الطابع الروحاني لا سيما عندما عاد، في مرحلة لاحقة من حياته، ليُصمِّم الشبّاك الخارجي لضريح الإمام الحسين.
عامِلٌ آخر ساهم في صياغة وعي فرشجيان الفنّي مبكراً، ألا وهو صناعة السجّاد. التلميذ الذي تعلّم فنون النقش والتذهيب على يد أساتذة مثل حاج ميرزا آغا إمامي (علّمه رسم الغزال الذي برز في لوحاته)، أعاد استلهام فنّ المنمنمات في مسيرة امتدّت لأكثر من سبعين عاماً، مُحرّراً هذا الفنّ من التبعية لموضوعات الشعر والأدب، ومانحاً إياه نوعاً من الاستقلالية.
استفاد من تقنيات الحداثة من دون أن يتخلى عن طابعه الروحاني
بعد تخرّجه، عمل محمود فرشجيان في كلية الفنون الجميلة بطهران، ثم سافر في الخمسينيات إلى أوروبا ولاحقاً إلى الولايات المتحدة حيث استقر منذ أوائل الثمانينيات. قدّم أعمالاً شهيرة مثل: عصر عاشورا، واليوم الخامس من الخلق، وكوثر، وشمس ومولانا، وتميّز أسلوبه فيها بالمساحات الدائرية، والخطوط الناعمة القوية، والألوان المتموجة، مستلهماً من الشعر الفارسي الكلاسيكي والروايات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية، كما لا يمكن إغفال استحضاره لأجواء الأيقونات والجداريات الكنسية لكن بطابع إسلامي شرقي. وبحكم خلفيته الشيعية، ابتكر أسلوباً لا يكشف وجوه الشخصيات، مركزاً على التعبير العاطفي والشعوري.
في واحدة من
ارسال الخبر الى: