لماذا هم يبادون وأنا أنجو

52 مشاهدة

الحرب توقفت، الإبادة انتهت — يقولون. لكن هل أستطيع الآن أن أُسكت صوت الذنب الذي يصرخ في رأسي؟ أو شعور العالم الموازي الذي خزقت رأس الجميع وأنا أتحدث عنه؟ الآن نعود لحياتنا التي لم تتوقف أصلاً، نكملها بلوعةٍ أقل ربما، أو ببلادةٍ أشد.

نمت، فوصلتني الإجابة. وجدت نفسي ممدّدة على سريري بين جثثٍ وأكفان، أحاول أن أتجاهلهم لكنني أختنق. أحرر نفسي من بينهم أخيراً، أقف على قدميّ، ألتفت ورائي، أزيح الكفن عن أحد الوجوه، لكنه مشوّه ومقسوم من النصف، فأركض مبتعدة.

أبتعد كما كنتُ أفعل طيلة سنتين، أشيح بنظري عن كل شيء لأن لدي رفاهيةَ إطفاء الهاتف، وتقليب الصفحات بسرعة، وإغماض عيني لأكمل فنجان قهوتي. أخرج وأغنّي وآكل ما أشتهي وأنام بهدوء، بينما هناك من لم يعرف النوم منذ عامين.

أقنعنا أنفسنا على مدار سنتين أن الحياة يجب أن تستمر، واستمرت. ولعنةُ الله على هذه الحياة التي نافقنا فيها أنفسنا نفاقاً لم تشهد البشرية مثله من قبل.

لم يكن بيدي إلا أن أغضب. خرج غضبي على أتفه الأمور، أعصابي مشدودة، أتوتر لأصغر التفاصيل، وأريد أن أقلب الطاولة فوق رأس أي أحد.

كنت أصرخ في اليوم الذي اعترفت فيه دولٌ غربية بـدولة فلسطين، بينما البشر يُبادون. لم يستطع عقلي احتمال بذاءة الاحتفال بهذا المشهد حتى.

أقنعنا أنفسنا على مدار سنتين أن الحياة يجب أن تستمر، واستمرت. ولعنةُ الله على هذه الحياة التي نافقنا فيها أنفسنا

استُشهد 75 ألفاً في غزة، و1051 في الضفة الغربية. لا نعرف عنهم سوى أرقامهم، ولكن الحمد لله — أصبحنا دولة معترفاً بها على الـكم متر الباقي من فلسطين!

ماذا سأقول لأبنائي في المستقبل عندما يسألونني عن الإبادة؟ عن كيف سمحنا لها أن تستمر سنتين كاملتين؟

سأقول لهم إننا خرجنا في مسيرات وقُمِعنا؟ إننا اعتُقلنا وعُذِّبنا وضيّق الخناق علينا؟ إننا عشنا بينما هم يموتون؟

سأقول لهم إننا أغلقنا ماكدونالدز وستاربكس؟!

منذ أن أُفرج عن أسرى غزة وأنا أبكي. يقولون إن الإبادة انتهت، لكنها لم تنتهِ.

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح