فيسبوك في سورية الخوارزميات لا تلتقط الكراهية

52 مشاهدة
مساء يوم الجمعة 24 يناير كانون الثاني 2025 انتشرت على صفحات فيسبوك شائعة حول عودة ماهر الأسد شقيق بشار الأسد إلى سورية ترافقت هذه الشائعة بعدد آخر من الأكاذيب حول دعم روسي لهذه العودة وتنسيق مع السعودية بغرض الاستيلاء على السلطة في سورية تبين خلال 48 ساعة أنه لا أساس نهائيا لأي من هذه الأخبار لكن حالة من التوتر والحذر والتحفز كانت خلقت وتعززت وتراكمت تدريجيا لم يمض وقت طويل حتى تحولت الفوضى الافتراضية على فيسبوك إلى فوضى فعلية على الأرض وقودها الناس والحجارة بدأت الفوضى باعتداءات وقعت على حواجز ودوريات الأمن العام موقعة عددا كبيرا من الضحايا تجاوز الـ100 خلال أيام قليلة وتبعتها انتهاكات ومجازر ارتكبتها فصائل أودت بحياة 1676 ضحية مسجلة في الساحل السوري بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان والتي ما تزال لجنة التحقيق التي شكلها الرئيس السوري أحمد الشرع تحقق فيها ولم تعلن نتائجها حتى اللحظة ومدد عملها ثلاثة أشهر إضافية خلال مرحلة التوتر القصوى التي عاشها الساحل السوري في الأسبوعين الأولين من مارس آذار الماضي انتشر على فيسبوك كم هائل من الفيديوهات والصوتيات والصور حول الجرائم جزء منها ينقل تلك الجرائم فعلا بما فيها عمليات التحريض والشحن الطائفي وجزء آخر يعود إلى فترات زمنية سابقة وأحيانا إلى أماكن خارج سورية روجت على أنها حديثة محاولة الربط بين الفوضى الواقعية التي جرت على الأرض السورية والفوضى الإلكترونية على فيسبوك ليس من باب نظرية المؤامرة أو من باب القول إن المعركة الافتراضية تحولت إلى معركة واقعية من دون وجود أسس واقعية عديدة لتلك المعركة ولكنها محاولة لقراءة دور فيسبوك في ما جرى لا أستطيع أن أتخيل حجم البارانويا التي ستصيبنا لو بدلا من صوت الشكوى المبتذلة التي اعتدناها على فيسبوك فجأة ملأ آذاننا صمت مريب بهذه الجملة يختم محمد أنديل واحدة من حلقات برنامجه أخ كبير بعنوان فيم تفكر نشرت عام 2019 ويعالج فيها دور وسائل التواصل الاجتماعي عموما وفيسبوك خصوصا في الثورة المصرية وفي تطور الأوضاع اللاحقة في مصر والتي يكشف فيها بسخرية وجدية أيضا كيفية تحول فيسبوك من أداة للتمرد ولتلاقي الراغبين في التغيير مع انطلاق ثورات الربيع العربي إلى جزء من أدوات الرقابة والقمع والتأطير إلى جزء من النظام العام الحاكم محليا ودوليا ورغم أن ما طرحه أنديل وغيره في ذلك التاريخ ما يزال صحيحا إلى هذا الحد أو ذاك لكن المثال السوري خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية بعد سقوط الأسد يشير إلى أن الأدوار التي يمكن أن يلعبها فيسبوك أكبر وأخطر بمراحل نركز على فيسبوك ضمن المثال السوري لأنه موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا بين السوريين وفقا لموقع gs statcounter com فإن استخدام السوريين لمنصات التواصل الاجتماعي في مارس آذار 2025 توزع كالآتي 83 15 فيسبوك و9 87 إنستغرام و4 49 يوتيوب و1 72 إكس ومن المعلوم أن إنستغرام بات ملكية لشركة ميتا العملاقة نفسها التي تملك فيسبوك ومن غير المستغرب تاليا أن يستخدم خوارزميات مشابهة لتلك المستخدمة في فيسبوك ما يعني أن ما يزيد عن 93 من استخدام السوريين لوسائل التواصل الاجتماعي يخضع لخوارزميات مالك واحد هو ميتا تربط العديد من الدراسات الحديثة بين الخوارزميات التي يطبقها فيسبوك وبين ارتفاع مستوى السلبية وخطاب الكراهية والتحريض على العنف ضمن المنصة في دراسة أجرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2023 تمت معاينة مثال ميانمار وأثبت أن خوارزميات فيسبوك أسهمت في تأجيج عمليات التحريض والعنف تتضمن الخوارزميات مجموعة من المعايير والتفضيلات التي تعزز من ظهور منشورات معينة وتقلل من ظهور أخرى بين المعايير المعروفة مستوى التفاعل خاصة عبر التعليقات المشكلة التي يخلقها هذا المعيار هي أنه يدفع إلى الأعلى وآليا كل المنشورات المثيرة للجدل وذات الطابع الحاد والاستقطابي والعنيف والتحريضي أيضا لأن هذا النوع من المنشورات يحوز عادة تفاعلا كبيرا لا تقف المشكلة عند حدود منشورات الرأي إن جازت التسمية التي تتضمن آراء عنيفة وحادة بل تتعداها لتشمل الأخبار الزائفة التي يمكنها أن تثير القلق والرعب خاصة في حالات الاقتتال الأهلي الداخلي وحالات الاحتقان الطائفي والديني والقومي ما يمكن أن ينتج جرائم حقيقية على أرض الواقع بوصفها ردة فعل على جرائم مزيفة تم تداولها بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي بين الآليات الأخرى المعروفة ضمن خوارزميات فيسبوك وتساهم في تعزيز الاستقطاب الآلية المسماة فلتر الفقاعة Bubble Filter باختصار تحبس الخوارزميات كل مستخدم لـفيسبوك ضمن فقاعة معينة على أساس تحليلها لمنشوراته واهتماماته وآرائه فيعيش ضمن حلقة معزولة نسبيا مليئة بالآراء المشابهة لرأيه ما يعزز من اعتقاده بصحة آرائه ورفضه للآراء الأخرى بل الوصول إلى حد اعتبارها غير موجودة أساسا هذه الآلية تسمى أيضا غرفة الصدى Echo Chamber إذ يسمع المستخدم صدى آرائه نفسها عبر منشورات لآخرين تتطابق مع رأيه يختارها فيسبوك ليظهرها أمامه على الصفحة الرئيسية محاولة البحث عن كيفية تأثير الخوارزميات التي يعتمدها فيسبوك على طبيعة التفاعل وطبيعة المنشورات الرائجة قد يوقع الإنسان في وهم مفاده أن الخوارزمية التي يصنعها بالأساس مهندسون بشريون تصبح هي نفسها المتحكم المطلق الصلاحية بعد وضعها في التطبيق المقارنة بين المثال الفلسطيني والسوري تكفي لدحض هذا الوهم حين كان الأمر متعلقا بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واللبنانيين فإن فيسبوك كان جاهزا لتشغيل الخوارزمية لتتحسس أي منشور يتناول الموضوع سواء كان كتابة أم فيديو أم صورة ويقيمه سريعا وفي حال كان مخالفا للمعايير أي معاديا لإسرائيل يقيد وصوله أو يحذف ويعاقب صاحب الحساب ضمن سلسلة من العقوبات المتصاعدة التي قد تصل إلى إلغاء الحساب نهائيا في الحالة السورية خاصة خلال فترة المجازر في الساحل السوري في شهر مارس الماضي سمح فيسبوك بنشر فيديوهات تتضمن مشاهد قتل دموية وتعذيب وإذلال وخطابات طائفية وخطابات كراهية وتحريض باختصار فقد سمحت المنصة الزرقاء بنشر محتوى يتضمن كل أنواع المخالفات المفترضة في معايير مجتمع فيسبوك وأغمضت الخوارزمية عينيها تماما ولم تتدخل بأي شكل من الأشكال في منع نشر خطابات الكراهية بل بقيت الآليات الترويجية ضمن الخوارزمية فعالة بالطريقة المعتادة نفسها أي إن فيسبوك لم يكتف بعدم منع فيديوهات العنف الدموي في الساحل السوري مثلا بل سمح بترويجها وانتشارها نتيجة للتفاعل العالي معها بدأت صفحات سورية كثيرة في الأسابيع الأخيرة بإغلاق إمكانية التعليق على منشوراتها رغم أن هذا الأمر يضر كثيرا بمدى رواج ووصول منشورات تلك الصفحات ولكن هذا الأمر جاء تعبيرا عن أن الاستقطاب والتخوين ولغة الكراهية التي تسود في التعليقات قد وصلت إلى حدود لا تطاق وإلى حدود يصبح فيها من يفتح منشوراته للتعليق مسؤولا أمام ضميره وأمام أبناء بلده عن المساهمة في تأجيج الكراهية فضلا عن التدخلات الإسرائيلية الإلكترونية المكشوفة وغير المكشوفة التي تنشط كثيرا في الدفع نحو تحريض السوريين بعضهم ضد بعض على أسس طائفية ودينية وقومية بناء على ذلك كله يمكن من دون تردد كبير أن نصنف فيسبوك بوصفه واحدا من أخطر أعداء السوريين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم وآرائهم السياسية والفكرية

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح