غابو وأشباح الساعة السادسة
رغم مرور أحد عشر عاماً على رحيله، ما زال غابرييل غارسيا ماركيز متجدداً، وقادراً على إدهاش قرائه، سواء بروايته نلتقي في أغسطس (رندم هاوس، 2024)، وترجمت إلى العربية بعنوان موعدنا في شهر آب، أو بأعماله القصصية الأربعة التي صدرت مجتمعة في كتاب واحد عن دار التنوير البيروتية مطلع هذا العام، بترجمة صالح علماني.
ويتيح الإصدار القصصي المتجدد لمحبي الروائي الكولومبي الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982، أن يقرؤوا أعماله القصصية الكاملة متسلسلة زمنياً، ومتجاورة ورقياً، ومتدرجة فنياً، بعد أن كانوا قرؤوها مُنَجَّمة في أزمان متباعدة، من دون أن تُتيحَ لهم القراءة المتفرقة نظرة شاملة وفاحصة إلى مجمل التجربة القصصية لماركيز، الموازية لتجربته الروائية، ولا تقلّ عنها أهمية. وإذا صحَّ القول إنَّ مئة عام من العزلة (1967)، هي ذروة المنحنى في تجربته الروائية فإنَّ النضج الفني الذي بلغته مجموعة اثنتا عشرة قصة مهاجرة يضعها في مرتبة الجوهرة بين المجموعات القصصية التي أنجزها على امتداد ثلاثة عقود، بدءاً من خمسينيات القرن العشرين.
كانت الذكريات المزيفة مقنعة لدرجة أنها حلّت محلَّ الواقع
كثيراً ما ترد عبارة أشباح الساعة السادسة في أعمال ماركيز الروائية والقصصية، وفي كل موضع ترد فيه العبارة نجدها تشير إلى الوقت الذي يسبق غروب الشمس في بلدان البحر الكاريبي اللاتينية، ودائماً ما يُصور البطل في هذا الوقت وهو في أشدِّ حالات العزلة والوحشة، مضطجعاً في ناموسيته المعلّقة، أو جالساً على شرفة بيته، أو جائلاً في غرف البيت الخالية إلّا من الذكريات ووجوه الغائبين المعلقة على الجدران. وتتفاعل الحالة النفسية القاسية مع اللحظة الزمنية لتخلق مناخاً من التشوّش البصري والانفلات الذهني، وهو المناخ المناسب لانهيار حدود الذاكرة والعقل والبصر، بين ما هو منطقي وما هو لامنطقي، وبين ما هو تاريخي وما هو أسطوري، وبين ما هو حقيقي وما هو سوريالي.
أشباح الساعة السادسة أحد المفاتيح التي طوّرها ماركيز لفتح البوابات بين الواقعي والخيالي، وهو يعلم أنها عبارة غامضة، وقد تكون عديمة المعنى، لكنها ذات وقع حسي يبعث على الشك في
ارسال الخبر الى: