عمانية في باكستان
غامرت مريم البادي للسفر وحيدة إلى باكستان مرَّتَين، ولكنّها خرجت بكتاب ممتع أطلقت عليه على نهر كونهار، صدر أخيراً (2025) عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع في دمشق. الرحلة مكتوبة بحرية الأنفاس، وبهجة السفر وحيدة بجناحَي الخفّة والخيال. لم تكن سفرة سياحية بقدر ما كانت رحلةَ تأمّلٍ، وكأن من كتبها (بعد ذلك) شاعر متمرّس ببلاغة اللغة ومتاهاتها الجمالية.
في قراءاتنا الرحلات التي يكتبها مبدعون (شعراء مثلاً)، نجد أنها تمتاز بهذه الميزة الشعرية. عُمانياً ما تركه الراحل محمّد الحارثي، وعربياً ما قرأت من رحلات للشاعر الأردني الراحل أمجد ناصر. وعلى المستوى العالمي هناك تقرير إلى غريكو لليوناني نيكوس كازانتاكيس، الذي عرفناه روائياً، ولكنّه أيضاً شاعر غزير، ترك على سبيل المثال ديواناً يحتوي ثلاثة وثلاثين ألف بيت، وهي ملحمته التي أطلق عليها أوديسة، التي تبدأ من حيث انتهت أوديسة سلفه هوميروس.
ولكن ما الميزة الشعرية التي تمتاز بها مثل هذه الأعمال؟... ربّما أهم ما تشتمل عليه الإبداعات ذات الروح الشعرية عذوبة السرد، فتحضر التشبيهات البلاغية ومساحات التأمل السادرة، وتلك العبارات المبطّنة بالسخرية المستملحة. هذه العناصر سيجدها القارئ مفرّقة في هذا الكتاب الرِحلي، ما أضفى عليه عنصر المتعة أو اللذة حسب رونالد بارت (لذّة النصّ).
يجري نهر كونهار في 127 صفحة جرياناً هادئاً، حلمياً في أغلب الأوقات، فالنهر لم يكن المقصد الأخير في الوصول، بل جاء ضمن مجموعة من مقاصد الرحلة ومشاهدها الطبيعية، وكأن كونهار ليس سوى خلفية جامعة لما سنراه في الرحلة من جداول وبرك ومواقف وحكايات رواة يتقمّصون حبكة السرد في ألف ليلة وليلة. تقول الكاتبة في الصفحة الأولى من الرحلة إن أجمل ما في السفر يمتنع عن الكتابة، ولكنّها، رغم ذلك، تخرج لنا برحلة مكتوبة في صفحات كثيرة.
هل هناك شيءٌ لم يُكتب بعد في رحلة محدودة الأيام؟ مدلّلة بذلك على أن فيض المشاعر يظلّ متوارياً أمام الوصف المتواتر للمشاهد، فالقارئ في هذه الرحلة سيقف أمام مشاهد طبيعية وإنسانية متتالية، وكأنها لا تترك لكاتبها الاستراحة إلى نفسه إلا لماماً. وذلك
ارسال الخبر الى: