علاء عبد الفتاح وأسئلة العدالة في العصر الرقمي
أعاد الجدل حول منشورات قديمة على منصات التواصل الاجتماعي للناشط المصري ـ البريطاني علاء عبد الفتاح طرح سؤال يتجاوز الشخص المعنيّ: هل للعقوبة نهاية في الديمقراطيات اليوم، أم أن الماضي الرقمي بات يقوم مقام حكم مؤبّد؟
من الضروري التشديد، منذ البداية، على حقيقة لا يجوز الالتفاف حولها: علاء عبد الفتاح لم يُسجن في مصر بسبب المنشورات التي يجري تداولها اليوم. سُجن بوصفه معارضاً سياسياً ومدافعاً عن الحريات المدنية. عدم رسم هذا الخط الفاصل يفضي إلى خلطٍ خطير بين أمرين مختلفين جذرياً: قمع سلطوي بسبب المعارضة، ونقاش ليبرالي متأخر حول خطاب مسيء. هذا الخلط لا يشوّه فهم المسألة فقط، بل يفتح الباب لتبرير القمع بأثرٍ رجعي.
المنشورات التي يجري تداولها اليوم، والمكتوبة تقريباً بين عامي 2008 و2014، تتضمن لغة مسيئة ومحرِّضة. علاء عبد الفتاح أقرّ بذلك، واعتذر علناً. هذا مهم. لكن الأهم هو مقاومة إغراء إدراج تلك المنشورات في سردية توحي، ولو ضمناً، بأن السجن الطويل كان جزءاً من مسار محاسبة طبيعي.
أمضى علاء عبد الفتاح سنوات في السجون المصرية، كثيرٌ منها في ظروف قاسية شملت العزل، والمنع من الزيارة، والإضرابات عن الطعام. خسر سنوات لا تُستعاد من حياته العملية والشخصية، ولم تسلم عائلته من هذا الظلم. وثّقت منظمات حقوقية دولية احتجازه بوصفه تعسّفياً ومسيئاً وذا دوافع سياسية (هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية، خبراء أمميون). ولم يكن الإفراج عنه تصحيحاً لخطأ، بل نهاية لظلمٍ ممتدّ (هيومن رايتس ووتش، فبراير 2025). علاء عبد الفتاح ليس حالة افتراضية في نقاش عن حرية التعبير. إنه إنسان دُمرت حياته فعلياً.
والنبش اليوم في تغريدات كتبها قبل أكثر من عقد يكشف منطقاً يترسخ أكثر فأكثر داخل الديمقراطيات الليبرالية نفسها: صعود الاشتباه الأخلاقي الدائم في ظل الأرشيف الرقمي. أسوأ ما يقوله الإنسان في لحظة غضب قصوى، وفي سياق سياسي محتدم، يصبح هويته النهائية إلى الأبد. الأرشيف الرقمي هنا لا يوثّق التاريخ، بل يلغيه، ويختزل سنوات القمع، والتجربة، والنضج، في تصريحات مجتزأة تُستدعى عند الحاجة.
ارسال الخبر الى: