عزلة الجندي الفار من الحرب في مسرحية نيكاتيف
قد يبدأ الهروب بخطوة صغيرة، لكنه غالباً لا يتوقف عند الباب الموصد، فيمتد ليخلق عزلة تُعيد تشكيل المصير، وتفرض على الإنسان مواجهة ذاته في أقصى صورها. هكذا تنفتح حكاية الجندي بفيل إيفانوفتيش نافروتشسكي في المسرحية المغربية نيكاتيف، حين يجد نفسه خارج ميدان القتال، كمن أُلقي عنوة في مساحة أشد وطأة؛ في حظيرة بيت والده، بين الخنازير. هناك، في زاوية يختلط فيها العفن بالقرف والحيرة، تبدأ رحلة مواجهة الذات، وتتقاطع ذاكرة الجندي مع رتابة المكان، لتتشكل شخصيته بين الخوف والرغبة في التحرر، وبين انسجامه مع القطيع وانفلات روحه نحو الأمل.
العرض، الذي أشرف على إخراجه عبد المجيد شكير، وقدم على خشبة المسرح الكبير بنمسيك في الدار البيضاء منذ أسبوعين تليه جولة عرض جديدة قريبة لفرقة أبعاد المسرحية، حسب ما صرّح به المخرج في حديث مع العربي الجديد. هو عمل مقتبس عن رواية مكان مع الخنازير للكاتب الجنوب أفريقي أثول فوغارد، مع إعداد درامي لمصطفى قيمي وسينوغرافيا لعبد المجيد شكير.
اختباء الجندي، العائد هارباً من قسوة الحرب، مشدوداً إلى حنينه لوالدته الراحلة، يشكّل مواجهة وجودية حقيقية. الحظيرة التي لجأ إليها تحولت إلى مساحة تحاكم خوفه، وتختبر إرادته وتخلط إنسانيته بحيوانيته. يعيش بافِل على ما يحمله إليه والده من طعام وأخبار عن العالم الخارجي، فيما بذلته العسكرية تتعرض للتلف تدريجياً، ويقتطع والده من كل قطعة فيها ما يمسح به الأرض، لتصبح البذلة رمزاً لتدهور حياته والتناقض بين الماضي المفقود والحاضر القاسي.
الحظيرة التي لجأ إليها الجندي تحوّلت إلى مساحة تحاكم خوفه
في هذا الركن، يظهر الأب، الذي يؤدي دوره منير أوبري بإبداع لافت، حضوراً شعورياً مهماً، فهو الرابط الوحيد بين الجندي والعالم، يمنحه الغذاء والمعلومات ويشكّل دعامة نفسية متوازنة. ويضيف صديق الأب/الجار، الذي يجسّده عبد اللطيف خمولي بتجربته التشخيصية الواسعة، بعداً خارجياً للضغط النفسي، يثير القلق، ويكشف هشاشة البطل، ما يجعل صراع بافِل الداخلي أكثر وضوحاً ودقة.
حتى حين يقرر الاعتراف بخيانته خلال احتفال عيد النصر، يمنع الجندي بفيل إيفانوفيتش تلفُ بذلته
ارسال الخبر الى: