عريس بيت جن

32 مشاهدة

في بلدة بيت جن، الواقعة على تخوم مدينة القنيطرة، حيث تقاطعت الجغرافيا السورية لحظةً مع ذاكرة شعب قاوم الاستعمار ومحاولات التجزئة، سقط حسن السعدي شهيداً في اليوم نفسه الذي كان يُفترض أن يُزفَّ فيه عريساً. لم يكن في ساحة خلاف سياسي، ولا ضمن حشد تعبوي طائفي كالحشود المتناثرة اليوم كالفطر السامّ. كان فقط، وببراءة، واحداً من أبناء المكان الذين تحكمهم غريزةُ حبِّ البيت والحفاظ عليه قبل أيّ خطاب آخر.
ما حدث في بيت جن لا يكشف فقط عنف دولة الاحتلال وتوحّشها والإبادة، فهذا لم نعد نناقشه وندهش له، بقدر ما يبيّن لنا ما هو أعمق: أن المجتمع، مهما بدا مفكّكاً ومنهكاً بانقساماته الداخلية، يحتفظ في طبقات تكوينه بقوة خام تظهر حين تقترب النار من العتبة. واستشهاد حسن ورفاقه ذلك اليوم ليس روايةً عن بطولة فردية بقدر ما هو اختبار لنظرية اجتماعية مهملة: أن الفعل البطولي يولد من بنية المجتمع قبل أن يولد من وعيه السياسي، وأن اللحظة الخاصة، لحظة عريس يرتّب يومه الأخير، يمكن أن تتحوّل رمزاً عامّاً حين يضع حياته في المكان الذي يرى أنه ينتمي إليه.
توجد هنا طبقة أعمق من الهُويَّة لا تصنعها السلطة أو المعارضة، ولا يمكن للطوائف ولا للقبائل احتكارها. إنها القدرة الغامضة للمجتمع على استعادة ذاته، على تذكِّر ما يجمعه حتى في أشدِّ لحظات الانقسام. لم تكن المقاومة هنا مجرّد تضحية من بضعة شباب، بقدر ما كانت علامةً على أن البنية الاجتماعية، بكل ما فيها من إرهاق وندوب وجروح لم تعد خفيّةً، ما زالت قادرةً على إنتاج معنىً مشتركٍ يُلغي في لحظةٍ الحدود الداخلية كلّها. الخطر الخارجي لا يجمع السوريين بالشعارات، وإنما عبر كشفه حقيقةً صامتةً: أنّ الانقسام حالة سطحية، بينما الانتماء إلى المكان متجذّر في العمق. وفي اللحظة التي تصبح فيها الأرض معيار الحياة والموت، يكتشف السوريون، من دون أن يقصدوا، أن ما يربطهم أعمق بما لا يُقاس ممّا فرّقهم.
يبقى السؤال: هل استطاعت لحظة الشهادة حقّاً توحيد السوريين وتجاوز لحظة الانقسام؟ الجواب:

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح