ما إن استلمت هيئة تحرير الشام إدارة الحكومة المؤقتة في سورية حتى تبادر إلى أذهان كثيرين أن غولا مفزعا بات يتسيد السلطة سيبتلع الجميع وتتصل سيولة الخوف السوري بمسوغات عدة ليس بداية بخلافات الفصائل المنضوية تحت لواء الهيئة وجنوح المتشددة منها إلى انتهاكات سافرة بحق الأقليات مرورا بانفراد الحكومة بالتعيينات بلون واحد ومبررها أنها من ضرورات المرحلة وليس أخيرا تصريح القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع بأنه لن يجري تنظيم أي انتخابات قبل أربع سنوات بينما لم يخاطب السوريين حتى اللحظة إلخ بطبيعة الحال تنتج الإسلاموفوبيا وهما بصريا واسع الطيف بينما تتطلب المشهديات المتخمة بتحويل الشكوك والإشاعات إلى وقائع قطعية تحليلا تفصيليا في ظل تعدد الأجندات والاستراتيجيات والتفسيرات والذي سيجعل الوصول إلى توافق وطني أو أقله إرساء قواعد السلم الأهلي أمرا بالغ الصعوبة على المدى المنظور يزيد المشهد حساسية أن رهاب السوريين لم يأت من عدم إذ من المعلوم أن عموم الحركات الإسلامية حتى أكثرها اعتدالا وبراغماتية تنكفئ إلى خطاب ماضوي متطرف يدعو إلى أسلمة الدولة والمجتمع معا عندما تجد الفرصة مواتية لينخفض بالضرورة إيقاع صوت الشارع وفاعليته باعتباره القوة الموضوعية الموازية لنفوذها وقوتها وفي الحقيقة تكتسب هذه الرؤية بعدا واقعيا عند تناول المظاهرات التي اندلعت في شمال سورية ضد حكم هيئة تحرير الشام ووصلت إلى قلب إدلب قبل الثامن من ديسمبر كانون الأول 2024 كجولة أولى من الانفجار الشعبي ضد مشروع الإسلاميين في السلطة لاعتبارات تتعلق بسوء الأوضاع المعيشية واعتقال المعارضين وقمع النساء ونبذ المختلفين في العقيدة إلخ تعكس كل المشهديات العجائبية الحالية تصور السوريين المسبق عن الحاكمين الجدد الذين كانوا مضطهدين ومقصيين من السلطة وما إن تولوا الحكم حتى شحنوه بأقاربهم وأبناء أيديولوجيتهم بينما يسعى المتشددون منهم إلى استعادة ماضي الوعظ والتذكير بأهوال القيامة لترتفع الأصوات من قبيل تطبيق الشريعة والخلافة الراشدة بالتالي إذا سدت المنافذ في وجهها جنحت حكما إلى العنف المطلق لردع طوفان التحديث والعصرنة ما سيفرز تيارا تكفيريا يتبنى مفهوم العدالة الانتقامية له مبادئه وآليات اشتغاله يعيد الاعتبار لمركزية الدين ونصوص الطاعة العمياء ويفاقم الديناميكيات القوية المؤسسة لفوبيا الخوف من سطوة الإسلاميين ويعزز اختلالات تعاملهم مع السوريين لتغدو العناوين التي رفعها التيار المدني من أجل بناء دولة ديمقراطية بعد سقوط نظام الأسد مجرد ترف فائض لا قيمة له رهاب السوريين لم يأت من عدم إذ من المعلوم أن عموم الحركات الإسلامية حتى أكثرها اعتدالا وبراغماتية تنكفئ إلى خطاب ماضوي متطرف يدعو إلى أسلمة الدولة والمجتمع معا هذا للقول إن فرض الإسلام مصدرا رئيسيا للهوية السياسية في سورية التي لا تحتمل مزيدا من الارتجال الشخصي أو الاجتهاد العبثي سيفتح باب المماحكة المجانية بين من يتبنى مشروع دولة الخلافة الإسلامية ومن يضادها ليتبين بما لا يدع مجالا للشك أن ضريبة المشاركة السياسية تحت سقف الحكومة الجديدة باهظة الثمن بينما ينحسر طاعون مملكة الأسد التي تتفكك ذاتيا رغم شراستها الطرح الواجب تبنيه هنا كيف ستتعامل هيئة تحرير الشام مع سؤال الدولة وكيفية بنائها وإدارتها وخاصة أن أبو محمد الجولاني وفي لقاء شهير على فضائية الجزيرة عام 2015 صرح نحن لا يهمنا ما يقوله الغرب عنا لكن يهمنا أن نطبق شريعة الله عز وجل وعليه هل سيتبنى في نهاية المطاف مشاريع الإسلام السياسي على حساب تنحية خيار الديمقراطية والانتخابات نهائيا لا يمكن والحال هكذا وضع جميع السيناريوهات المحتملة للحكم في سلة واحدة فلسورية خصوصيتها التاريخية وسياقاتها الفريدة وستكون في مواجهة محتدمة مع الإسلاميين الذين لا يقدمون مبادرات ديمقراطية ذاتية إلا تكيفا مع الضغوط الخارجية المقترنة بالإغراءات والغنائم المجزية فيعيدون تدوير المطالب الملحة بما يناسب تطلعاتهم ويبدعون في الانتقاء العشوائي لكباش فداء تلقى عليهم تبعات ما لا ينسجم مع مسببات المآلات المأزومة بعد نهاية شهر العسل الثوري ووسط التشكك السلبي بالنيات المضمرة للحكومة المؤقتة ستواجه الأخيرة تحديات كثيرة أبرزها نحت مقاربتها الإسلامية الخاصة بالتوازي مع ضرورة تحقيق قواعد الحكم الدستوري العادل وخاصة أن فصائل كثيرة منضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام هي جماعات راديكالية عنفية تسرح وتمرح في سورية التي شكلت مختبرا استثنائيا للإسلاميين في الشرق الأوسط فصائل تراوح بين جماعات فوضوية جهادية وبين أخرى منظمة تملك أيديولوجيا صلبة تسعى دائما للعمل ضمن الهوامش المتاحة لها فبعد تصريحات مسؤولي الحكومة المستفزة بحق المرأة ها هي النشاطات الدعوية تنتشر في المدن السورية منها تدعو إلى الحجاب والاحتشام وأيضا فصل النساء عن الرجال في وسائل النقل والمصاعد والصلاة في ساحات الجامعات بشكل استعراضي غير مفهوم ومهاجمة فعاليات الموسيقى في المقاهي ولن يكون آخرها بالطبع طرح الورقة السياسية لـحزب التحرير ولاية سورية لمرحلة ما بعد سقوط الأسد والتي تدعو إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية بشكل صريح وواضح إلخ المستقبل السوري في ظل المعطى الإسلامي الحالي غير واضح الملامح وسيبقى مصدر قلق عارم يقض مضاجع السوريين السؤال الثاني الواجب طرحه هل تندرج هذه التحركات ضمن سياسة جس النبض العام أم هي تخبط طبيعي وسط انفلات أمني سافر أمام أعين العالم المنشغل بقراءة التوازنات السياسية وصياغتها في ظل حكم الإسلاميين وانعكاس ذلك على مصالحه إذا أخدنا الواقع السوري في مقارنة موضوعية مع ما جرى في تونس ومصر حيث حاولت حركتا النهضة والإخوان المسلمين على التوالي الاستئثار بالحكم فإن تجربتهما المتقدمة في احتكار الميدان السياسي وإقصاء كل ما عداهم كانت مخيبة جدا لآمال الإسلاميين فما بالك ببلد يتفرد بالتنوع الديني والإثني الهائل لذا من المؤكد أن مشروع الخلافة الإسلامية المتشددة لا يملك فرصة في سورية وهي تعلن بداية حقبة جديدة بعدما خلعت أخيرا جلد الاستبداد لكن لم يتضح بعد أي ثوب ستلبس وسط تساؤلات ملتهبة إن كان الإسلام السياسي سيستعيد حضوره الناعم بديلا حتميا للنظام البائد أم أنه سيتآكل تلقائيا بسبب الهوة السحيقة الكامنة بين ذهنية الإسلاميين التي تغذي كل ما هو قمعي وهوياتي وواقع الحوكمة على الأرض والتي ساهمت في انحسار المد الإسلامي المتطرف في المنطقة العربية تدريجيا نافل القول المستقبل السوري في ظل المعطى الإسلامي الحالي غير واضح الملامح وسيبقى مصدر قلق عارم يقض مضاجع السوريين بكل أطيافهم وطوائفهم أما التنافس المحموم بين فصائل هيئة تحرير الشام والتي قد تؤدي إلى التقاتل الدموي بدل تقديم بديل إسلامي واعد للبلاد فيخلق نقاطا عمياء في الأفق تعزز ضبابيتها التعميمات المجحفة من قبيل من يحرر يقرر كتأكيدات تستند إلى حتمية براغماتية تتعلق بهوى الأكثرية باعتبارها صفوة النشوة الإسلامية بعد عقود عصيبة من المظلومية السنية