صعود الشيوخ تقهقر السياسة
شهدت مناطق في سورية ذات أغلبية علوية تظاهرات احتجاجية لافتة في الأيام الماضية، دفعت مجدّداً إلى طرح تساؤلات بشأن التحوّلات العميقة التي تضرب المجتمع السوري منذ سقوط نظام الأسد ووصول سلطة جديدة ذات خلفية دينية إسلامية إلى الحكم.
فظهور (وصعود) شخصيات دينية، مثل الشيخ العلوي غزال غزال وشيخ العقل الدرزي حكمت الهجري، وربما غيرهما في المستقبل، ليس حدثاً عابراً، بل مؤشر إلى تغيرات أوسع تلامس بنية الدولة والمجتمع معاً، وهو بدون ريب امتداد لمسار بدأ قبل سنوات طويلة مع تفكك مؤسّسات الدولة وأحزابها خلال سنوات الثورة والحرب وصعود تيارات وتنظيمات وفصائل عسكرية دينية إلى الواجهة.
لا يمكن فصل هذه التطورات عن المتغيرات التي طاولت تركيبة السلطة نفسها في دمشق، فالسلطة الجديدة، التي تضم عناصر وشخصيات بارزة من فصائل دينية شاركت في إسقاط النظام السابق، باتت تضم شبكة نفوذ واسعة لرجال الدين. الشيوخ اليوم داخل الدولة وفي قلب مؤسّساتها ليسوا مجرّد رجال دين بل صاروا مناصب وألقاباً ومواقع في الدولة السورية.
لم يكتف هذا التزاوج بين السياسي والديني داخل المركز الحاكم بالتعبير عن هوية جديدة للدولة، بل وكما هو متوقع، فرض واقعاً جديداً على باقي المكونات السورية وانعكس مباشرة على المجال والفضاء العام. تراجع السياسة، وارتداد طوائف عديدة نحو الانتماءات الأولية بحثاً عن حماية افتقدتها بعد انهيار الدولة. وهذا ليس وليد اللحظة، بل نتاج عقد من الفوضى، فحين تغيب الدولة، تصبح الطائفة والعشيرة بديلين صلبين للجمهور القَلِق.
المفارقة تظهر جلية في الحالة العلوية، فهي طائفة لم تعرف تاريخياً مرجعيات دينية قوية، ولم تمتلك عصبية مذهبية واضحة. العلويون في سورية ربما كانوا من أكثر الطوائف انفتاحاً، ليست لديهم مشكلة في التزاوج والتواصل الاجتماعي مع الطوائف الأخرى، لم يقدّموا زعامات دينية عبر العقود المنصرمة بقدر ما قدّموا رجال سلطة واستخبارات ومثقفين وفنانين.
ربما لم يقدّموا رجال دين ومرجعية دينية، لأن النظام السابق منع ولادة مثل هذه المرجعية حتى لا تنافسه، وربما لأنّ تماهيهم مع النظام السابق كرّس شعوراً جمعياً بعدم الحاجة لمرجعية أدنى
ارسال الخبر الى: