سانتياغو زابالا الكارثة وفلسفة التحذيرات

28 مشاهدة

يقدّم سانتياغو زابالا في كتابه الأخير إشارات من المستقبل: فلسفة التحذيرات (منشورات جامعة كولومبيا، 2025) مشروعاً فلسفياً فريداً. التحذير هنا ليس تنبؤاً بالمستقبل، ويختلف جذرياً عنه. فبينما يسعى التنبؤ إلى استشراف المستقبل وما سيحدث فيه، تدفعنا التحذيرات إلى إعادة النظر في أولوياتنا تجاه المستقبل. فالتحذير، إذاً، قد لا يُجنّبنا الكارثة، لكنه يجعلنا نعي حضورها الكامن في واقعنا الراهن من خلال قراءة الإشارات. ويستحضر الكتاب أمبرتو إيكو، الذي يرى أن الإشارة لا تُفهم بوصفها إحالة إلى شيء خارجها، بقدر ما تستدعي تفسيراً متجدّداً في ذاتها. كما يستحضر ريتشارد رورتي، تمهيداً لفكرة الكتاب الأساسية، إذ رأى رورتي أن الإشارات كانت في الماضي مرتبطة بالأنبياء وحدهم، أما في العالم العلماني الحديث، فقد أصبحت قراءتها في صلب عمل الفيلسوف، إذ لم نعد نملك أنبياء يتكلمون، بل فلاسفة يدعوننا إلى توسيع المخيّلة لفهم ما تُنذر به الإشارات.

وعليه، ليست الإشارات التحذيرية، كما يفهمها زابالا، رسائل آتية من المستقبل، بل رسائل عن المستقبل كامنة في قلب الحاضر نفسه. نحن لا نعيش في أزمنة خالية من الكوارث، بل في أزمنة تُخفي كوارثها. هكذا يفتتح زابالا مشروعه الذي يسميه فلسفة التحذيرات، غير أنه، في الآن نفسه، يؤكِّد أن الفلسفة، في موقعها الأنطولوجي منذ نشأتها وحتى هذا اليوم، كانت شكلاً من أشكال التحذير المستمر. فهي لا تبحث عن نظام ولا عن يقين بقدر ما تنبِّهنا إلى ما يُستبعَد عادةً باسم النظام واليقين. فمن بارمينيدس الذي حذّر من انعدام الكينونة الذي يمثّل انعدام الفكر نفسه، إلى هايدغر الذي حذّر من أن تتحوّل الحقيقة إلى شيء يقبل القياس. ومن أوغسطين الذي حذّر من القراءة الحرفية لبعض نصوص الكتاب المقدس، إلى هوسرل الذي حذّر من انهيار الفكر الأوروبي الحديث، تتشكّل سلسلة طويلة من الفلاسفة الذين لم يبنوا أنظمة بل رفعوا إشارات إنذار.

فلاسفة يدعوننا إلى توسيع المخيّلة لفهم ما تُنذر به الإشارات

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسة: التحذير الفلسفي، تجاهل التحذير، وتلقّي التحذير. في القسم الأول، يركّز زابالا بصورة أساسية

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح