كيف يمكن أن نقرأ حضور التماثيل في الساحات العامة وكيف نقرأ اختفاءها هذا ما يحاول الإجابة عنه الشريط الوثائقي الذي وقعه المخرج المصري عمرو بيومي عام 2019 وحمل عنوان رمسيس راح فين 62 دقيقة وتتيحه منصة أفلامنا عبر موقعها الإلكتروني حتى الرابع من تشرين الأول أكتوبر المقبل في لحظة معينة بعد الثورة في مصر عام 2011 التي أطاحت حكم حسني مبارك الرجل الذي كان يتبوأ أعلى مراكز السلطة آنذاك يتذكر بيومي أنه قام بتوثيق رحلة تمثال رمسيس الثاني بكاميرته عام 2006 امتدت الرحلة من ميدان رمسيس أحد أكبر الميادين في القاهرة إلى منزل رمسيس الجديد في المتحف المصري الكبير وكانت هذه أكبر عملية نقل شهدتها شوارع القاهرة على الإطلاق واستغرقت أكثر من 12 ساعة وهذا ما يحاول أن يرويه من خلال زاوية أبعد من مجرد عملية نقل بل تحاول كشف علاقة السلطة بالشعب وعلاقته مع والده الذي كان رمزا للسلطة العليا في ريعان شبابه وضع التمثال ونقله ارتبطا بقرار سياسي وتحولات اجتماعية يبدأ العمل الذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والوثائقية عام 2019 بعرض الوجه الإجرائي لعملية النقل والتحديات التي واجهت القائمين عليها أحمد محمد حسين ومصطفى عبد الرؤوف خصوصا أن حضور رمسيس الثاني في مكانه قد بات تفصيلا من مشهد الميدان اعتاده الناس وتآلف مع الطبيعة العمرانية للمكان وهذه أشياء تقول الكثير بالمعنى النفسي للكلمة نحن أمام عناصر متداخلة واللعبة تبدأ بأي من هذه العناصر نلتقط أولا الشخصي والخاص يحضر أيضا في الشريط حيث يتدخل المخرج راويا للأحداث يعيد سرد الذكريات بوصفه واحدا من أولئك الناس الذين مسهم سحر التمثال لكنهم في الوقت عينه لم يعوا أن هذا الحضور سلطوي في أحد وجوهه أو بالأحرى وعيهم برمزية القوة فيه سيسلب المشهد شيئا من سحره تماما كما تخترق قيم الأبوية الحارسة المجتمع والعائلة فتعيد توزيع المهام ومحاصصة المراتب بين أفراد الأسرة كذلك رمسيس التمثال ليس بعيدا عن هذه الرؤية ومن علاقة الابن بأبيه ننتقل إلى علاقة الشعب بحاكمه وهي جوهر الفيلم فرمسيس الذي حكم مصر الفرعونية بين عامي 1279 و1213 ق م تدور حوله الكثير من الأساطير لكنه بالمحصلة يبقى رمزا للحاكم المطلق وهي الصفة التي تنطبق على حكام مصر في القرن العشرين الذين حصروا القرار في أيديهم تحت مقولات حماية الثورة والسيادة الوطنية هل عادت هذه المقولات لتنتعش بعد ثورة يناير 2011 أليس من المفترض أن الثورة جاءت لتضع حدا لهذه الوضعية الديكتاتورية الانقلابية رمسيس راح فين الجواب عن هذا السؤال بعد مكوث التمثال في الميدان مدة خمسين عاما 1956 2006 لا يتمثل في المتحف بشكل أكيد فالتمثال وضع وأزيل نتيجة قرار سياسي هذا الأخير وما يرتبط به من تحولات اجتماعية هو الجواب الحقيقي وهو ما يريد بيومي أن يلفت إليه في شريطه