رحيل أحمد عنتر مصطفى داخل الشعر وخارجه
كان الشاعر المصري أحمد عنتر مصطفى، كلما عاد إلى ديوانه هكذا تكلّم المتنبي، يشعر بأنه يفتح باباً على يقظة جديدة في داخله. كان المتنبي بالنسبة إليه أكثر من أثرٍ لغوي أو ظلٍّ تاريخي. كان رفيقاً يمشي إلى جانبه في الخفاء، يذكّره بأن الشعر، قبل أن يكون زينة وزخرفة، هو موقف وعصب وروح تقاوم الفناء. وفي صفحات الديوان، كان المتنبي يتكلم كما لو أنه يضع يده على كتف شاعر معاصر، يهمس له بما يقوله الزمن حين يختبر الشعراء: أنَّ الكلمة الصادقة لا تموت، وأن القصيدة التي تولد من جوف المعاناة تظلّ قادرة على الحياة، مهما تغيّرت الأجيال.
وفي لحظة بدا فيها صمت العالم أكثر اتساعاً من الكلمة الشعرية، جاء خبر موته أول أمس الأربعاء عن عمر ناهز الحادية والثمانين، بعد أيام من الغيبوبة، كأنّ الجسد استسلم بعدما أرهقته القصائد أكثر مما أنهكته السنون.
لم يكن أحمد عنتر مصطفى، الذي ولد في محافظة الجيزة المصرية عام 1944 شاعراً طارئاً، ولا كاتباً يكتفي بما اعتاده الناس من أشكال الشعر وقوالبه. كان ابنَ التراث العربي القديم، لكنّه أيضاً ابن عصرٍ مضطربٍ يُربك الشاعر ويحمله إلى حافة الأسئلة والانهيارات. ربّما، لذلك تحديداً، جاءت قصائده دائماً متوترة بين زمنين: زمن الأصالة، كما اعتاد أن يقول هو نفسه، والذي تعلّمه من قراءة كبار الشعراء الكلاسيكيين وعلى رأسهم المتنبي، وزمن الحاضر الذي يفرض على الشاعر أن يبتكر طريقه في اللغة وفي التعبير وفي مواجهة العالم المتغيّر. هكذا حافظ على جماليات القصيدة العمودية، لكنّه لم يتردد في اقتناص حرية التفعيلة حين يحتاجها، وكان يرى أنَّ الشكل لا قيمة له إذا خلت القصيدة من حرارة المعنى.
حافظ على جماليات القصيدة العمودية واقتنص حرية التفعيلة
لم يكتفِ أحمد عنتر مصطفى بـهكذا تكلّم المتنبي الذي صار علامة في مسيرته الأدبية، فقد أصدر أعمالاً عديدة تنقلك إلى طبقات مختلفة من رؤيته وتجربته الإنسانية والشعرية. في مأساة الوجه الثالث نقرأ شاعراً يواجه قسوة العالم، ويحاول أن يفهم ما وراء الظلال والأقنعة. وفي
ارسال الخبر الى: