ديدريك براكنز كل خيط قطني منسوج من صوت مكتوم
ما الذي يمكن أن تُخبرنا به قطعة قماش عن ماضٍ لم يُدفن بعد؟ وهل يمكن لنسيجٍ مصنوع من القطن، هذه المادة التي كانت ذات يوم رمزاً للعبودية والاستغلال، أن يُصبح أداة للمقاومة والشفاء؟ في معرضه الجديد في المملكة المتحدة قصص منسوجة (Woven Stories) يضع الفنان الأميركي ديدريك براكنز هذه الأسئلة على طاولة النقاش، أو بالأحرى على نول النسيج. فالمعرض المقام في متحف هولبرن حتى 26 مايو/ أيار المقبل لا يكتفي بعرض منسوجات جميلة أو مشغولات تقليدية، بل يحفر في عمق مادة القطن نفسها، ليُعيد كشف الروابط الخفية بين الثروة الأوروبية وتاريخ الاستعباد والهوية السوداء.
القطن في يد براكنز لم يعد مادة محايدة، بل شاهد صامت على العنف والإقصاء والتاريخ الاستعماري. ومن خلال دمج الأسطوري بالشخصي، يقدّم لنا براكنز أعمالاً فنية تنسج التاريخ بالخيط والإبرة، لتكشف ما جرى تجاهله، ولتطرح تساؤلات مهمة حول إمكانية إعادة سرد الحكاية من منظور المنسيين في هوامشها.
في قصص منسوجة، يُحوّل براكنز القطن إلى لغة فنية مكتملة، وأداة لاستعادة ذاكرة طُمست من تاريخ الفنّ الغربي. يضم المعرض أربعة أعمال ضخمة، بعضها يظهر كأنه غير مُكتمل، بحوافه المفتوحة وخيوطه المرتخية، في إشارة رمزية إلى أن السرد التاريخي نفسه ما يزال غير مكتمل. لا يُخفي براكنز اختياره القطن مادةً تعبيرية، بل يُصرّ على إبراز ذلك، فهو يراه مشحوناً بتاريخ من الدم والاستغلال، بداية من مزارع العبيد في أميركا ووصولاً إلى ثروات القصور الأوروبية. وكأن كل خيط قطني في أعماله يحمل في داخله صوتاً مكتوماً، أو صرخة أُسكتت منذ قرون.
ما يُميز أعمال براكنز أنها تنهل من تقاليد متعددة، من النسيج الأفريقي الغربي إلى خياطة الجنوب الأميركي، وحتى بعض التقنيات الأوروبية. لكنه لا يتبع هذه التقاليد بوصفها قوالب جاهزة، كما يقول، بل يعيد تشكيلها من جديد، لتصبح أدوات لتفكيك السلطة واستعادة الأصوات المقموعة.
في عمله المعروض تحت عنوان الابن الضال، نرى شخصية بشرية تلوّح بسكين فوق خنزير، بينما تظهر شمس دموية في الأفق. العمل يُحاكي قصة
ارسال الخبر الى: