في هضبة الأكروبوليس المطلة على أثينا لا تزال حشود السياح تتدفق وتقف أمام هذا الصرح العظيم أو ما بقي منه للفن الإغريقي القديم الذي بني خلال 447 438 ق م على أنقاض معبد قديم لتخليد الانتصار على الفرس عام 481 ق م الذي كرس بعد اكتماله للإلهة أثينا إلهة الحكمة والقوة وبعد قرون من استمراره كمعبد وثني تحول إلى كنيسة مع بعض التعديلات البسيطة بعد أن أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية باسم كنيسة مريم العذراء وبعد سقوط روما وبروز الإمبراطورية البيزنطية أصبحت هذه الكنيسة تحتل المكانة الرابعة من حيث القدسية لحج المسيحيين الأرثوذكس إليها بعد القسطنطينية وأفسس وسالونيك ويكفي أن نذكر هنا أن الإمبراطور البيزنطي باسيل الثاني بعد انتصاره الساحق على الإمبراطور البلغاري صموئيل عام 1014 للميلاد ذهب بعد أربع سنوات من هذا التاريخ للحج إلى هذه الكنيسة تعبيرا عن شكره لله على هذا الانتصار حكم اللاتين الذي بقي في الذاكرة مع انطلاقة الحملات الصليبية بحجة استعادة القدس من المسلمين جاءت الحملة الصليبية الرابعة 1202 1204 لتبطش بالمسيحيين الأرثوذكس في القسطنطينية والقدس ولتقيم مملكة اللاتين التي تستمد شرعيتها الكاثوليكية من البابا وفي هذا السياق بقي حكم هذه المملكة في الذاكرة سواء للأرثوذكس في القدس أو في أثينا فقد قامت السلطة الجديدة بتحويل كنيسة مريم العذراء إلى كاتدرائية كاثوليكية كما ضغطت على السكان الأرثوذكس لكي يتحولوا إلى الكاثوليكية حول من معبد لكنيسة ثم إلى جامع قبل أن تدمره المدفعية ولذلك بقيت مملكة اللاتين في الذاكرة السوداء لسكان أثينا وغيرها حتى سقوطها عام 1261 وانبعاث الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تتبنى الأرثوذكسية وهو فاق في هذا المجال سنوات الحكم العثماني اللاحق كما يبدو الآن في مقاربة المؤرخين الجدد في اليونان السلطان محمد الفاتح منتشيا في أثينا بعد فتح القسطنطينية في 29 أيار مايو 1453 تمدد الفتح العثماني نحو غرب البلقان وشمل أثينا في 4 حزيران يونيو 1456 ولكن السلطان محمد الفاتح جاء بنفسه إلى أثينا في نهاية تموز يوليو 1458 ليرى بنفسه مظاهر الثقافة اليونانية التي كان يقدرها كان الفاتح يجيد اللغة اليونانية ويقدر الثقافة اليونانية القديمة تحت تأثير أمه وجدته التي كانت من سلالة كونتاكوزين الحاكمة في بيزنطة ولذلك كما وصفته المؤرخة اليونانية ارتميس سكوبورذي كان الفاتح يتجول منتشيا في الأكروبوليس وهو يرى مظاهر الفن الإغريقي القديم بما في ذلك كنيسة مريم العذراء ولذلك كان من الطبيعي أن تبقى هذه الكنيسة قائمة خلال عهد السلطان محمد الفاتح 1451 1481 بينما تحولت إلى جامع بعد وفاته أو في نهاية القرن الخامس عشر وكما حدث مع تحول المعبد إلى كنيسة لحقت به الآن بعض التغيرات والإضافات ومن ذلك إضافة محراب ومئذنة وطلاء جدران الكنيسة بالجص الأبيض لإخفاء الرسوم الموجودة على الجدران أصبح جامع بارثنون لاحقا من معالم أثينا العثمانية وكان ممن زاروه الرحالة العثماني المعروف أوليا جلبي خلال زيارته لأثينا واليونان في صيف 1664 التي خصص لها الجزء الثامن من كتابه سياحتنامه وهو الجزء الذي ترجم إلى العربية مؤخرا ففي هذا الجزء لدينا وصف مفصل من وجهة نظر إسلامية لهذا الجامع قد لا نجده في أي مصدر آخر ليس انفجار مخزن للبارود كما صور لاحقا لتبرير ما حدث استمر هذا الجامع كما هو عليه قرنا آخر قبل أن تتحول أوروبا من الدفاع إلى الهجوم بعد فشل الحصار العثماني لفيينا عام 1683 وتشكل التحالف المقدس الذي تمخض عن توجه جيش نمساوي من الشمال لاختراق الدانوب وصولا إلى سكوبيه وجيش آخر أرسلته البندقية من الجنوب لاختراق اليونان وصولا إلى أثينا في أيلول سبتمبر 1687 بقيادة الجنرال المعروف فرانشسكو موروسيني الذي سيصبح لاحقا دوق البندقية بين 1688 1694 حاصر الجنرال موروسيني أثينا العثمانية في الثاني والعشرين من أيلول سبتمبر 1687 وبدأ القصف بالمدفعية ليصل إلى ذروته في صباح مثل هذا اليوم السادس والعشرين من أيلول سبتمبر حيث أدت زخات القنابل من الجهات الأربع إلى تدمير جامع البارثنون ويبدو أن العثمانيين كان لهم مخزن للبارود في جوار الصرح أو في ركن منه حسب الروايات وهو ما جعل القصف مدمرا أكثر لكن الأمر ليس عبارة عن انفجار مخزن للبارود كما صور لاحقا لتبرير ما حدث فلدينا تقرير لمرافق الجنرال السويدي أوتو ولهلم كوينغسمارك يصف فيه ما حدث ويستغرب كيف تجرأ سعادته موروسيني على تدمير هذا المعبد الجميل الذي استمر ثلاثة آلاف سنة ولو كان انفجار مخزن البارود في الجامع لتهدمت الأعمدة الرئيسية فيه ثمانية من كل طرف و17 عمودا من كل جانب بينما طاول القصف سقفه القديم الذي تهدم بالكامل ولم يكتف الجنرال موروسيني بذلك بل عمد إلى تفكيك بعض المنحوتات الفنية فيه ومنها العربتان اللتان يقودهما جواد أثينا وبوسيدون لكي يقدمهما هدية إلى حكومة البندقية ولكنهما تحطما خلال تفكيكهما وللأسف تعرض ما بقي من الصرح إلى نهب منظم بحجة إنقاذ ما بقي لتنتهي المنهوبات إلى شخصيات أو متاحف أوروبية تطالب بها اليونان كيف دمر الأتراك أعظم آثار اليونان مع الرسمة النادرة التي رسمت حصار جيش البندقية والقصف على جامع البارثنون التي نشرها المؤرخ ديفيد برور في كتابه القيم اليونان القرون المخفية الحكم التركي من سقوط القسطنطينية إلى استقلال اليونان 2010 جاءت التوترات في المنطقة لتحمل الأتراك الآن مسؤولية تدمير جامع البارثنون ومن ذلك لدينا في ذروة التوترات مقالة نشرت في العربية نت في العشرين من نيسان إبريل 2019 لطه عبد الناصر رمضان بعنوان بهذه الطريقة دمر الأتراك أعظم آثار اليونان كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري