حريق في مسجد قرطبة صراع سرديات وتاريخ يواجه الحاضر
ليست ألسنة اللهب التي التهمت جزءاً من جناح توسعة المنصور في مسجد – كاتدرائية قرطبة في الثامن من الشهر الجاري حادثاً عرضياً في مبنى أثري فحسب، بل أعادت فتح ملف العلاقة المعقّدة والمُتشابكة بين هذا الصرح التاريخي ووظيفته الحالية، وبين الإرث المادي والذاكرة المعنوية التي تختلف فيها الآراء.
بين المسجد والكاتدرائية
بدأ المبنى في القرن الثامن مسجداً جامعاً شيّده الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل سنة 785م، ليكون مركزاً دينياً وثقافياً لقرطبة، التي كانت آنذاك واحدة من أعظم حواضر العالم. توسّع المسجد على مدى القرون، فأضاف الخلفاء الأمويون أقساماً متتالية بلغت ذروتها مع توسعة المنصور في أواخر القرن العاشر، التي احتفت بفنون العمارة الإسلامية عبر أقواس حمراء وبيضاء، وأعمدة رخامية جُلبت من أطراف العالم، وقباب متشابكة مزخرفة بزخارف هندسية ونباتية دقيقة.
سقوط قرطبة بيد الممالك المسيحية في القرن الثالث عشر حوّل المسجد إلى كاتدرائية، فيما بقيت أروقته وأقواسه شاهدة على تداخل الحضارات، وعلى صراع قراءتين متباينتين: رؤية كاثوليكية خالصة تدعو لإدارته حصرياً من قبل الكنيسة، وفهم ثقافي–تاريخي أوسع يرى فيه إرثاً متعدد الطبقات يمثل قروناً من التفاعل بين الإسلام والمسيحية، بين التعايش والتوتر، وبين الانفتاح والاحتواء.
هشاشة الإدارة
اندلع الحريق في ركن من الجناح الشرقي لمجمع المسجد–الكاتدرائية، حيث تُخزن قطع فنية ومواد تنظيف ومواد أخرى قابلة للاشتعال، مما أثار انتقادات حادة بشأن غياب خطط وقاية مناسبة لمبنى ذي أهمية تاريخية وثقافية كبيرة كهذا. هذا الإهمال لا يقتصر على ضعف إداري فحسب، بل يعكس هشاشة الاعتراف بمسؤولية الحفاظ على إرث مشترك ومتعدد الطبقات.
الحريق يتجاوز مجرد الأضرار المادية، فهو يرمز إلى غياب توافق ثقافي واجتماعي حول كيفية حماية ذاكرة معقدة ومتنوعة، ويكشف عن نقص رؤية تعترف بالتعددية الثقافية والتاريخية التي يمثلها هذا الصرح العريق.
ترسيخ سردية أحادية تُقصي التعددية وتُهمل فصولاً مهمة من التاريخ
إلا أن الأزمة العميقة تكمن في طريقة إدارة التراث في قرطبة، حيث تُلاحظ هيمنة الرموز والعناصر الكاثوليكية داخل المسجد–الكاتدرائية على حساب الهوية الإسلامية التي تشكل جزءاً جوهرياً من
ارسال الخبر الى: