جنود النور رحلة في عالم الحقائق البديلة

فَقَدَ العالم توازنه. اليوم، يسعى الجميع إلى الشعور بشيءٍ من السيطرة. ونظراً إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، الذي يؤثّر حتّى على أكثر البلدان تقدّماً، فالناس بأمَسّ الحاجة إلى أرضية صلبة يتجذّرون عليها، مالياً وروحياً. يبدو أنّ الهوس الشائع بالصحة والعافية، الذي نختبره جميعاً بدرجات متفاوتة، نتيجة مباشرة لهذا السعي الدونكيشوتي. سعيٌ، إنْ لم تُكبح جماحه، يُحوِّل الأفراد إلى أهداف سهلة للأيديولوجيات النيوليبرالية واليمينية المتطرّفة.

يغوص الوثائقي جنود النور (2025)، للألمانيين يوهانس بوتنر وجوليان فوغل، في العالم الغريب لرجلٍ يسمّي نفسه السيد رو (Mister Raw) على الإنترنت، يُؤثّر على عشرات آلاف متابعي خطبه. يدّعي أنّه وجد الوصفة الصحيحة لصحة العالم، وعبر غذاء الرب، يستطيع تجديد شباب الجسم، والوصول إلى التنوير. بفضل براعته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، جذب متابعين مخلصين. هذا ليس نادراً، خاصة في الغرب المنكوب بمثل هذه الحالات/الطوائف. فجنون اللياقة البدنية، وتحسين الذات المستمرّ، لا يعرفان حدوداً.

ظاهرياً، يتناول الفيلم اللياقة البدنية والنمط الصحي للحياة. لكنْ، في باطنه، تكمن هاوية من أخطر عقليات اليوم. بأسلوبٍ سينمائي مباشر، وعبر كاميرا فوغل، يكشف الوثائقي، المعروض للمرة الأولى في الدورة 56 (4 ـ 13 إبريل/ نيسان 2025) لمهرجان رؤى الواقع (سويسرا)، عالماً موازياً يتخفّى تحت ستار الصحي والمفيد، لكنّه في جوهره يدعو إلى الفاشية ومعاداة العلم، رافضاً الدولة الألمانية القائمة، بقدر معاداته الأجانب والمهاجرين.

بفضل لقاء مصادفة عبر الإنترنت، التقى بوتنر السيد رو زميل الدراسة القديم، الذي صار يقدّم جلسات إرشاد حياتي، عبر مزيجٍ من التغذية والفكر الفلسفي، مرتبط بكلّ أنواع نظريات المؤامرة: وجود طوائف شيطانية تُسيطر على العالم، الاعتقاد أنّ الأرض مُسطّحة، وأنّ الاكتشافات العلمية مجرّد أخبارٍ كاذبة. يُقدّم الرجل، في موقعه الإلكتروني، جلسات مسحٍ حيوي ونصائح غذائية، ونظاماً غذائياً نباتياً، وريادة أعمالٍ احترافية، وعلاجات للشعر. مُتابع مخلص وقارئ شغوف لكتب المعالج الألماني الزائف أوليفر مايكل بريشت، الذي يُطلق على نفسه اسم ساناندا، مُدّعياً أنّه شفى أورام المخ والصرع. في الوقت نفسه، يُقرّ بأنّه لم يقرأ كتاباً كاملاً