جزيرة لامبيدوزا الإيطالية جبهة المواجهة الأوروبية للهجرة
74 مشاهدة
يبلغ عدد سكان جزيرة لامبيدوزا الإيطالية حوالي 6 آلاف ولكنها تستقبل في بعض الأيام أكثر من هذا العدد من المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون إليها في قوارب من تونس كما حصل في 12 و13 من الشهر الحالي عندما استقبلت على التوالي 5 آلاف و3 آلاف منهم ما أثار استنفارا أوروبيا بعد إعلان سلطات المدينة حالة الطوارئ وتعد لامبيدوزا محطة مثالية للمهاجرين غير النظاميين القادمين من تونس بسبب قربها من سواحل مدينة صفاقس على نحو خاص حيث تبعد عنها 180 كيلومترا ويتوقف زمن الرحلة ومستوى الأمان على نوعية القوارب المستخدمة وحالة الطقس لكنها في كل الأحوال تراوح بين ثلاث وعشر ساعات وهي أقصر مدة للوصول إلى الضفة الأخرى وتراوح أسعار العبور بين 1500 دولار أميركي و5 آلاف حسب وسيلة النقل وخبرة المهربين الذين صاروا على درجة عالية من الحرفية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة وبذلك تحولت سواحل مدينة صفاقس الفقيرة إلى نقطة حلم للعبور نحو الجزيرة الإيطالية للتونسيين والأفارقة الذين قصدوها بعشرات الآلاف تضاعف أعداد المهاجرين غير النظاميين خلال العامين الماضيين تفيد الإحصاءات الرسمية بأن أعداد الذين باتوا يصلون إلى الجزيرة الإيطالية من صفاقس خلال 48 ساعة يوازي عددهم في عام واحد في 2019 و2020 حين تمكن من العبور في ذلك الوقت 8 آلاف شخص وفق تقارير الأمم المتحدة بينما وصل الرقم إلى 8 آلاف خلال 48 ساعة قبيل منتصف الشهر الحالي وتؤكد إيطاليا أن الأرقام تضاعفت خلال العامين الماضيين وقد وصلت خلال العام الماضي إلى 60 ألفا بينما بلغت خلال الأشهر التسعة من العام الحالي 123 ألفا وتفيد التقديرات بأن العدد المتوقع حتى نهاية العام الحالي سوف يتجاوز 100 ألف ليصل خلال السنة الحالية إلى ربع مليون من تونس إلى جزيرة لامبيدوزا وحدها ومع ذلك فإن الأرقام لم تتجاوز بعد أرقام عام 2016 وهو العام الذي وصل فيه أكثر من 181 ألف شخص كثيرون منهم سوريون فارون من الحرب إلى إيطاليا شكل الواصلون من تونس هذا العام نصف الوافدين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي وقد شكل الواصلون من تونس هذا العام نصف الوافدين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي حتى الآن بحسب الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل فرونتكس التابعة للاتحاد الأوروبي ووفقا للوكالة فإن المهاجرين الذين يصلون عبر البحر الأبيض المتوسط هم في الغالب من ساحل العاج ومصر وغينيا وقدرت فرونتكس في بيان لها الأسبوع الماضي أن ضغط الهجرة غير الشرعية المتزايد قد يستمر على هذا الطريق في الأشهر المقبلة مع قيام المهربين بتخفيض الأسعار على المهاجرين الذين يغادرون ليبيا أو تونس في سياق منافسة شرسة بين الجماعات المتخصصة بالتهريب اتهام تونس بالتساهل بشأن الهجرة غير النظامية هناك أسباب كثيرة للارتفاع المتزايد في الأرقام خلال الأسابيع الأخيرة ومنهم من ينسبها إلى الطقس الصيفي حيث البحر هادئ ويسمح بوصول القوارب من دون مشاكل ولذلك تعد أعداد الضحايا قليلة بالمقارنة مع فترات الشتاء غير أن ذلك لا يكفي وحده ولذا ركزت وسائل الإعلام الأوروبية الحديث عن مسائل أخرى ثمة من يرى أن وصول 8 آلاف مهاجر على متن 199 مركبا وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من مدينة واحدة في تونس خلال 48 ساعة سببه سهولة الانتقال وهذا يعني برأيهم أنه ليست هناك إجراءات منع من طرف السلطات التونسية التي يبدو أنها توقفت عن مراقبة الشواطئ ومطاردة المهربين حسب الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى اتهام السلطات التونسية بتسهيل هجرة هذه الأعداد الضخمة من أجل توجيه رسالة صريحة إلى أوروبا هدفها تسول أكبر قدر من الدعم الاقتصادي المباشر وعبر المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي للحصول على قروض مالية مهمة وميسرة من أجل تحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة حملة السلطات التونسية بوجه الهجرة غير النظامية ويبدو أن تونس تلقت رسائل الغضب من إيطاليا وأوروبا لذلك تحركت بعد أيام وقامت بحملة أمنية واسعة النطاق مدعومة بطائرات ووحدات مكافحة الإرهاب في مدينة صفاقس استهدفت المهربين ونقلت قنوات تلفزة صور وحدات من الحرس الوطني التونسي تدهم منازل تأوي مئات المهاجرين واعترضت شاحنات تحمل مهاجرين باتجاه الشواطئ واحتجزت عديدا من القوارب وألقت القبض على مهربين وطوق المئات من العناصر الأمنية التونسية منتصف الشهر الحالي أماكن تعرف بأنها نقاط أمنية سوداء في مناطق جبنيانة وقرقنة والمساترية وفي صفاقس وصدر بيان عن وزارة الداخلية التونسية يقول إن الحملة جاءت بناء على تعليمات من الرئيس قيس سعيد لمواجهة التدفق غير المقبول للمهاجرين وما عزز توجيه أصابع الاتهام للسلطات التونسية هو أنه سبق أن زارت تونس في يوليو تموز الماضي كل من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين وجرى التوقيع على اتفاق شراكة استراتيجية شاملة يقدم الاتحاد الأوروبي بمقتضاه مساعدة مالية لتونس كي تعزز في المقابل كفاحها ضد الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط مهمة صعبة أمام تونس لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا تمتد السواحل البحرية التونسية حوالي 1500 كيلومتر لذا فإن السلطات التونسية تجد نفسها أمام مهمة صعبة للغاية في سياق يتميز بأوضاع اقتصادية بالغة الشدة وقد منحت إيطاليا لتونس 82 سفينة للسيطرة بشكل أفضل على سواحلها وبالتالي تقديم المساعدة اللوجستية والتقنية لجعل حرس الحدود التونسيين أكثر كفاءة لكن هذه السفن والـ900 مليون يورو لم تنجح في وقف الهجرة غير الشرعية يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا على تونس لتولي دور الشرطي الذي يضمن حدود أوروبا وتبدو الحكومة التونسية وسط حالة من الاضطراب في مواجهة هذا الوضع من جهة يمارس عليها الاتحاد الأوروبي ضغوطا لتولي دور الشرطي الذي يضمن إبقاء حدود أوروبا حصنا منيعا ومن جهة أخرى لا يبدو الرئيس سعيد مستعدا لتولي هذه المهمة بثمن بخس وهنا تبرز مفارقة أن سعيد نفسه يستخدم خطابا مناهضا للهجرة بشكل أساسي تجاه مهاجري جنوب الصحراء الكبرى وأعرب عن آرائه بشأن الهجرة في خطابه الشهير في 21 فبراير شباط الماضي الذي أثار ردود فعل سلبية وإدانات باعتباره عنصريا ويغذي الكراهية ضد الأجانب وفي الوقت ذاته تدهورت حقوق الإنسان في تونس وزادت معاملة اللاجئين الأفارقة سوءا وماتت أعداد كبيرة من اللاجئين في البحر وفي الصحراء ما بين تونس وليبيا عندما طردتهم السلطات التونسية خلال الصيف الماضي يلتقي سعيد في السياسة الشعبوية ويتشارك الرؤية المعادية للأجانب والهجرة مع رئيسة الوزراء الإيطالية ورؤساء دول أوروبية أخرى غير أن الثمن الذي يحصل عليه مقابل ذلك لا يبدو أنه يوازي العمل المطلوب منه ومن هنا فإن المسألة مفتوحة على احتمالات شتى بما فيها حصول تدخلات أوروبية ضد تونس مواقف أوروبية غير مشجعة ردود الفعل الأوروبية الرسمية كانت على درجة عالية من الحرج بعد الاستغاثات التي وجهتها الحكومة الإيطالية ولذلك قامت رئيسة المفوضية الأوروبية بزيارة تضامن في 17 من الشهر الحالي إلى الجزيرة غير أن إيطاليا تنتظر مواقف صارمة بما في ذلك تعزيز القوات الأوروبية المكلفة بمواجهة الهجرة في مياه البحر المتوسط المواقف الأوروبية غير مشجعة ومنها ما برز صريحا مثلما هو الأمر في حالة ألمانيا التي رفضت صراحة قبول مهاجرين من الذين يصلون عن طريق إيطاليا ولذلك أسباب عديدة منها أنها بحاجة إلى عدد قليل من المهاجرين شرط أن يكونوا يدا عاملة مؤهلة ثم أنها تشعر بعبء كبير من قبل اللاجئين الأوكرانيين الذين فاق عددهم المليون على أراضيها ليست ألمانيا وحدها التي رفضت تقاسم أعباء الهجرة المتوسطية بل جميع الدول البعيدة عن البحر المتوسط مثل تشيكيا وهنغاريا والدول الاسكندنافية وحتى البلد المتوسطي اليونان الذي يعاني مثل إيطاليا من التدفق الكثيف للمهاجرين وبالتالي يقع العبء على إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وشهدت الأيام الماضية تحركات على مستوى الاتحاد الأوروبي من أجل إحياء عملية المراقبة الأوروبية المعروفة باسم صوفيا التي تم إيقافها عام 2004 رغم أنها أثبتت جدواها وقدرتها على الحد من الهجرة غير النظامية ومن شأن هذه الخطوة أن تساهم في تعزيز مراقبة مراكب المهاجرين ولكن من غير الواضح ماذا سيعقب المراقبة من خطوات الأوضاع تتفاقم على نحو يتجاوز طاقة إيطاليا وأوروبا وعلى بعد أقل من عام من الانتخابات البرلمانية الأوروبية المقررة في يونيو حزيران المقبل ويبدو الاستثمار العنصري للمسألة في أفضل أحواله إذ يلقى هذا السوق رواجا حيث سارع زعماء اليمين الفرنسي المتطرف إلى إيطاليا ووصل الأمر بزعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا مارين لوبان إلى حد المزايدة على ميلوني معتبرة أن الاستراتيجية التي تتبعها الأخيرة سهلة ولا تؤدي إلى نتائج بعيدة كما تأخذ عليها أنها تعتمد على الاتحاد الأوروبي في حل المشكلة ليست وحدها ميلوني التي لا تمتلك حلا يؤدي إلى نتائج على المدى البعيد الكل يبدو عاجزا عن وقف الهجرة أو تحويلها إلى ورقة أوروبية رابحة في ظل حاجة أوروبا إلى يد عاملة شابة ومن ناحية أخرى رغم أن إيطاليا هي التي تشهد استقبال أفواج كبيرة من المهاجرين غير النظاميين فإن أغلبية هؤلاء لا يستقرون هناك بل يكملون الطريق إلى بلدان أوروبية أخرى بدليل أن عدد المتقدمين للجوء في فرنسا يتجاوز عددهم بالنسبة لإيطاليا وفرنسا مرغوبة أكثر بسبب سهولة اللغة للقادمين من بلدان أفريقيا الفرنكوفونية السياسة الأوروبية تجاه الهجرة فاشلة أيضا لأنها غير عادلة وما تعاني منه أوروبا اليوم هو أعداد اللاجئين الأوكرانيين التي تتزايد تبعا لتطورات الحرب وهي تفوق الهجرة القادمة من أفريقيا بأكثر من عشر مرات ففي الوقت نفسه الذي استقبلت في إيطاليا 8 آلاف مهاجر وصل إلى ألمانيا 100 ألف لاجئ أوكراني ولو جرى تطبيق مبدأ التضامن الأوروبي لكان يجب على إيطاليا أن تستقبل قسما من هؤلاء