مخيم جباليا والمسعى الصهيوني لإلغاء فكرة اللجوء والمخيم
٥٤ مشاهدة
تقدمت مدرعات الاحتلال إلى مخيم جباليا رفقة قوات ضخمة لواءان ثم انضم لواء ثالث في 11 5 2024 استمرت العملية نحو ثلاثة أسابيع وهدفت حسب تصريحات قادة سياسيين وعسكريين في جيش الاحتلال إلى القضاء على كتيبة القسام شرق معسكر جباليا والبحث عن رفات مستوطنين خطفوا في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي وتدمير البنية التحتية للمقاومة شرق المخيم يطول الحديث عن تصدي المقاومة المثير للإعجاب لجيش الاحتلال وعن بطولات نادرة تسجل بحروف من نور في سجل المجد والخلود للمقاومة الفلسطينية الباسلة لكن حديثنا هنا سيتناول وجها آخر للعدوان يتعلق تحديدا بالمخيم كرمز حي للجوء ولمأساة الشعب الفلسطيني الممتدة منذ عشرات السنين فما حدث للمخيم وما أصابه من دمار وخراب يشي بأهداف واستراتيجيات أخرى ربما أهمها وأولها حسب المعاينة الميدانية استهداف أرتال المدرعات وجرافات الـD9 الأميركية مركز مخيم جباليا التاريخي الذي تأسس عام 1954 والذي يبلغ عدد سكانه حاليا أكثر من مئة ألف ليست بعيدة عن ذلك محاولات حكومة الحرب الحالية إلغاء وكالة الأونروا ما حدث في مخيم جباليا يختلف كليا عن صيرورة الحروب التقليدية وتطوراتها التي تشمل اشتباكات كر وفر والقتال والمناورة وجها لوجه فبينما شقت الجرافات الضخمة والدبابات شارعا أو شارعين في بلوكات 1 2 3 4 بشوارع مستقيمة أو على شكل رقم 7 تكفلت الطائرات الحربية بتدمير مربعات سكنية كاملة محدثة دمارا هائلا في البنية التحتية فحسب المعاينة الميدانية دمر ما بين 50 و60 من بلوكات مركز المخيم 1 6 وجرف 70 من السوق المركزي وحرق عيادة ومركز توزيع المساعدات الإنسانية وكل مدارس السوق الخمس ومدارس حمدان الأربع بالإضافة إلى تدمير أكثر من 80 من البنية التحتية خاصة آبار المياه ومياه الصرف الصحي أي أن جيش الاحتلال بتوجيهات سياسية عليا سعى إلى تدمير قلب المعسكر وإحداث تحول في شكل ومضمون المخيم بما يفضي إلى تقليص عدد قاطنيه وخفض عدد أبنيته السكنية وتقسيم مربعاته إلى تجمعات صغيرة معزولة وهو ما يذكر بما خطط له ونفذه وزير الحرب الصهيوني عام 1971 آرييل شارون عندما شقت جرافات الاحتلال بحجة مواجهة خلايا المقاومة مسارات وطرقا واسعة في مركز المخيم ومحيطه ورحلت السكان إلى مدينة العريش التي كانت في حينها تحت الاحتلال الصهيوني ليست بعيدة عن ذلك محاولات حكومة الحرب الحالية إلغاء وكالة الأونروا عبر الشروع عمليا منذ بداية الحرب بتجريم الوكالة ومنعها من العمل في المدينة المقدسة وعدم التعامل معها كليا في قطاع غزة خصوصا إنسانيا وإغاثيا بشأن توزيع المساعدات والتحريض عليها في الساحة الدولية وإلصاق تهم الإرهاب والارتباط بحركة المقاومة الإسلامية حماس طبعا فشلت حكومة الاحتلال الفاشية على الساحة الدولية في تجريم وكالة الأونروا وإلحاقها بالمقاومة ووسمها بالإرهاب كما سيفشل مخطط تغيير شكل ومضمون مخيم جباليا الحالي باستخدام الألة العسكرية الصهيونية القاهرة في خضم حالة الحرب المسعورة لأن سلوك سكان المخيم بعد العدوان على المخيم منذ اللحظة الأولى سار عكس ما رغبت به القيادة السياسية الفاشية وما فعلته الألة العسكرية وفقا للملاحظة الميدانية المباشرة إن صمود أبناء المخيم وثباتهم الأسطوري لا يمكن فهمه ضمن المعطيات والأحداث المتعارف عليها إذ شرع عدد من الأسر التي عادت إلى منازلها المدمرة جزئيا في إعادة ترميم بيوتها بالإمكانيات المتاحة ومن بينها من نصب خيمته على سطح منزله المدمر كما بدأ النازحون في العودة إلى المدارس حتى التي احترقت كليا حتى إلى مدرسة أ الإعدادية للبنات المحترقة بالقرب من مركز الشرطة فخلال عشر ساعات في اليوم الأول بعد العدوان تم إشغالها بالكامل من قبل النازحين وكانت علامات الجد والنشاط بادية على الأسر بشبابها وأطفالها ونسائها وبعد أقل من أسبوع عادت الحياة إلى محيط السوق المركزي وانتظمت بسطات الباعة والتجار في صفوف مستقيمة وتكاثر المشترون رغم محدودية البضاعة الموجودة وقلتها طبعا لا يمكن التقليل من هول المصاب ومن ضخامة المعاناة ومن آثار الآلة العسكرية الصهيونية الغاشمة لكن على الجهة المقابلة فإن صمود أبناء المخيم وثباتهم الأسطوري لا يمكن فهمه ضمن المعطيات والأحداث المتعارف عليها ولا يمكن تفسيره في سياقات صيرورات النضال وحركات التحرر فهذه المرة الثانية التي يجتاح فيها الجيش الصهيوني مخيم جباليا ويقتل ويجرح المئات من أبنائه ويدمر أجزاء واسعة منه لكن سكان المخيم وبكل ثقة وتصميم مستمرون في التشبث بالمخيم وفي مقاومة محاولات طمسه كرمز للسردية الفلسطينية وكمعلم بارز للجوء والتهجير ومأساة الشعب الفلسطيني ومن ناحية أخرى فإنه ورغم الروح الوطنية الجامحة وقيم الانتماء التي دفعت المواطنين للتشبث بمخيمهم والإصرار على الثبات فيه إلا أن حالة الوعي والإدراك والفهم الدقيق لمرامي الاحتلال من محاولات تدمير المخيم وتغيير بنيته وشكله العام ساهمت هي الأخرى في العودة إليه والتشبث به بعد العدوان الأخير فذاكرة الطرد والتهجير في نكبة 1948 وبعد ذلك في نكسة 1967 وخطط جيش الاحتلال عام 1971 لتقليص حجم المخيم ما زالت حاضرة في الذاكرة الجمعية الفلسطينية ليس في مخيم جباليا فقط بل في كل مخيمات اللجوء بالمحصلة فإن خطط جيش الاحتلال مدفوعا بتوجهات حكومة اليمين الفاشي المتطرف لإلغاء فكرة اللجوء ورمزيته المتمثلة في مخيمات اللاجئين وأبرزها مخيم جباليا وإنهاء وكالة الأونروا كشاهد حي على التهجير واللجوء ستتحطم على صخرة صمود الشعب الفلسطيني وثباته على أرضه وستتهاوى أمام حالة الوعي والنضج المعرفي والذاكرة الحية لما يخطط له الاحتلال بأدواته العسكرية الإجرامية