ترامب ونتنياهو والحقيقة الغائبة

45 مشاهدة
أخيرا وبعد مفاوضات بالغة الصعوبة والتعقيد استحضر نتنياهو خلالها كل ما اشتهر به من مهارات الغش والخداع والكذب والتضليل جرى التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب المشتعلة في قطاع غزة وربما يفتح الطريق نحو تسوية سياسية للقضية الفلسطينية التي سعى نتنياهو إلى دفنها وتصفيتها يلبي هذا الاتفاق جميع الشروط التي تمسكت بها حركة حماس وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية إلى خارج القطاع وعودة كل النازحين إلى مساكنهم بحرية ومن دون قيود وتقديم كل أنواع المعونات اللازمة لإغاثة الشعب الفلسطيني وإنقاذه من خطر الإبادة الذي تعرض له طوال الشهور الخمسة عشر الماضية والبدء في إعمار ما دمرته الحرب وإبرام صفقة شاملة لتبادل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بالمحتجزين لدى حماس وبقية الفصائل صحيح أن حماس قدمت تنازلات عديدة لإنجاح هذه المفاوضات لكنها كانت من قبيل التنازلات التكتيكية التي استهدفت إظهار ما يكفي من المرونة والنضج السياسي لكشف النيات الحقيقية لعدو مراوغ ومتوحش ولقطع الطريق على محاولاته المستميتة لإطالة أمد الحرب فقد اقتصرت هذه التنازلات في الواقع على توقيتات الانسحاب ومراحل تنفيذ الاتفاق ومعايير التبادل وبعض الجوانب الفنية الأخرى لكن حماس ظلت شديدة الحرص خلال كل مراحل المفاوضات على عدم المساس بالأهداف الاستراتيجية الكبرى وهو ما تمكنت من تحقيقه بالفعل في المقابل فشل نتنياهو في تحقيق أي من أهدافه المعلنة كتدمير حماس وإخراجها نهائيا من المعادلات العسكرية والسياسية للصراع واستعادة المحتجزين بالقوة كما فشل في تحقيق أي من أهدافه الخفية كإجبار الفلسطينيين على الرحيل من وطنهم وإعادة احتلال القطاع واستيطانه يدرك ترامب جيدا أن الضغوط التي مارسها على نتنياهو وطريقته الخشنة في التعامل معه لإجباره على التوقيع على اتفاق لا يلبي طموحاته لن تؤدي إلى إفساد علاقته الشخصية به لم يكن لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة أن ينجز خلال الأيام الأخيرة من فترة ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن لولا دخول ترامب على خط المفاوضات وإصراره على إنهائها قبل دخول البيت الأبيض وبدء فترة ولايته الثانية والأخيرة فقبل إبرامه بأيام قليلة نشر ترامب في منصته مقطع فيديو يصف فيه الاقتصادي الأميركي الشهير جيفري ساكس نتنياهو بأنه سافل عميق ومظلم تسبب في حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط ما أوحى بأنه يشاطر ساكس وجهة نظره كما تسربت تقارير إخبارية نشرتها وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية تؤكد أن مبعوث ترامب الشخصي والذي شارك بنفسه في الجولة الختامية لمفاوضات الدوحة مارس على نتنياهو ضغوطا مكثفة في اللحظات الأخيرة الصعبة من المفاوضات ووجه له عبارات خشنة لحمله على الرضوخ والموافقة على اتفاق لا يلبي طموحاته ولأن نتنياهو راهن دوما على ترامب وتمنى فوزه في الانتخابات الرئاسية وظل حتى اللحظة الأخيرة يعول عليه لتمكينه من تحقيق الانتصار المطلق فقد شكلت مواقف ترامب أخيرا تجاهه مفاجأة كبرى تستحق التوقف عندها وتقصي أسبابها والبحث في دلالاتها وآفاقها المستقبلية تجدر الإشارة هنا إلى أن خبراء عسكريين عديدين بمن فيهم الخبراء الأميركيون أنفسهم كانوا قد توصلوا إلى قناعة مفادها عدم جدوى القيام بمزيد من العمليات القتالية في قطاع غزة وذلك بعدما تأكد عجز القوة العسكرية عن القضاء على حماس أو استرجاع المحتجزين أحياء وترسخ اليقين بأن عناد نتنياهو وإصراره على مواصلة الحرب لم يعد لهما ما يبررهما حتى من منظور المصلحة الإسرائيلية المجردة وحين أحيط ترامب علما عقب انتخابه رئيسا للولايات المتحدة بحقيقة الأوضاع الميدانية على الأرض في قطاع غزة تولدت لديه القناعة نفسها وأصبح على يقين بأن الاستمرار في مواصلة الحرب على القطاع لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة الإنسانية وأن الإحجام عن توقيع مسودة الاتفاق المقترح مضيعة للوقت وتلك هي اللحظة التي يتصور أن يكون ذهن ترامب قد تفتق خلالها عن فكرة وقف الحرب قبل دخوله البيت الأبيض وخصوصا أنها تتسق تماما مع سمات شخصيته التي تميل نحو الاستعراض والظهور بمظهر الزعيم القوي القادر على حسم الأمور بسرعة وهو ما يفسر قراره بممارسة ما يلزم من ضغوط لحمل نتنياهو على الموافقة على الاتفاق المقترح من دون تأخير فهذه الفكرة تساعده على تحقيق هدفين في آن معا إظهار إدارة بايدن بمظهر الإدارة الضعيفة العاجزة في أيامها الأخيرة عن إنهاء حرب خطرة ظلت مشتعلة أكثر من 15 شهرا وإضفاء أكبر قدر ممكن من الهيبة على فترة ولايته الثانية بإظهار نفسه قيادة قوية وقادرة على تحقيق إنجازات كبرى حتى قبل تولي مهامها الرسمية تعد الولايات المتحدة خاصة إدارة بايدن شريكا أساسيا في كل ما ارتكبه الكيان من جرائم ومن انتهاكات للقانون الدولي يدرك ترامب جيدا أن الضغوط التي مارسها على نتنياهو وطريقته الخشنة في التعامل معه لإجباره على التوقيع على اتفاق لا يلبي طموحاته لن تؤدي إلى إفساد علاقته الشخصية به فحتى بافتراض أن نتنياهو سيظل قادرا على تجاوز أزمة داخلية يتوقع أن يتسبب فيها هذا الاتفاق فإن ترامب يمتلك من الرصيد لدى الكيان ما يمكنه من التعامل مع أي رئيس لحكومته نتنياهو أو غيره فخلال فترة ولايته الأولى قدم ترامب ما لم يقدر عليه أي رئيس أميركي آخر حين قرر نقل السفارة الأميركية إلى القدس التي اعترف بها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان ومع ذلك يتوقع أن يواجه تحديا مزدوجا خلال الأشهر الستة الأولى من ولايته وهي الفترة التي يريدها خالية من صداع الشرق الأوسط وهو تحد يتعلق بمدى قدرته من ناحية على إلزام الأطراف الموقعة على الاتفاق بتنفيذ مراحله الثلاث ما يعني وضع نهاية فعلية لجولة المواجهة المسلحة الأطول والأكثر عنفا وتدميرا في تاريخ الصراع كما يتعلق من ناحية أخرى بمدى قدرته على فتح الطريق نحو تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية وخصوصا أنه يصعب تصور أن تنتهي هذه الجولة أيضا بهدنة طويلة تمهد لجولات أخرى تتكرر دوريا منذ أكثر من قرن ذلك هو التحدي الحقيقي الذي سيثبت ما إذا كان ترامب قادر حقا على جعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى كما ادعت شعاراته الانتخابية كانت لدى حماس حين قررت شن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 أسباب وجيهة ومقنعة ولأنها فصيل في حركة تحرر وطني لشعب احتلت أرضه منذ أكثر من 75 عاما وبالتالي في حالة حرب دائمة مع المحتل فمن الطبيعي أن تشن على العدو هجمات عسكرية وأن تحاول تكبيده أكبر قدر ممكن من الخسائر بل ومن حقها أن تحتجز ما تستطيع من رهائن لمبادلتهم بآلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومن بينهم مئات الأطفال والنساء المعتقلين إداريا بلا محاكمة ويتعرضون لأبشع أنواع التعذيب وهذا هو بالضبط ما قامت به ويتسق تماما مع قواعد القانون الدولي الذي يعترف لحركات التحرر الوطني بالحق في استخدام القوة لتحرير أوطانها المحتلة وتحقيق استقلالها القومي غير أن الكيان الصهيوني لم يرد بعملية عسكرية مشابهة ومتكافئة مع ما قامت به حماس وإنما رد بحرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني كله فشل نتنياهو في تحقيق أي من أهدافه المعلنة كتدمير حماس وإخراجها نهائيا من المعادلات العسكرية والسياسية للصراع واستعادة المحتجزين بالقوة لما جرى في قطاع غزة منذ طوفان الأقصى وحتى التوقيع على اتفاق وقف الحرب ثلاثة أبعاد مترابطة الأول يتعلق بالتوصيف الصحيح لما قام به الكيان فهو ليس حربا وإنما عملية إبادة جماعية أو هولوكست ممنهج ضد الشعب الفلسطيني الذي فقد خلاله ما يقرب من 10 من سكانه المدنيين في قطاع غزة ما بين شهيد وجريح ومفقود وارتكبت فيه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حولت القطاع إلى كومة هائلة من الرماد وإلى مكان غير قابل للحياة ودمرت المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات وقتل فيه مئات الصحافيين والأطباء ورجال الإسعاف باختصار يمكن القول إن ما جرى للفلسطينيين خلال تلك الفترة يعد أبشع بكثير مما جرى لليهود خلال الحكم النازي في ألمانيا بدليل أن الكيان يحاكم اليوم أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية تحريم الإبادة الجماعية ورئيس وزرائه ووزير دفاعه مطلوبان للمثول أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والثاني يتعلق بحقيقة ما أنجزه الشعب الفلسطيني بقيادة مقاومته المسلحة فصمود هذا الشعب في مواجهة كل هذا الكم من المجازر يعد أسطوريا بكل ما تحمله الكلمة من معنى وصمود فصائل مقاومته المسلحة وبأدوات بدائية في وجه آلة الحرب الصهيونية الجهنمية يعد إعجازا بكل ما تحمله الكلمة من معنى والثالث يتعلق بتوصيف طبيعة الدور الأميركي وآفاقه المستقبلية إذ تعد الولايات المتحدة خاصة إدارة بايدن شريكا أساسيا في كل ما ارتكبه الكيان من جرائم ومن انتهاكات للقانون الدولي صحيح أن دورها كان ضروريا وحاسما لوقف الحرب خاصة ما قام به ترامب لكن هل يمكن لرئيس اعترف بالقدس عاصمة أبدية موحدة ومهد لتفجير طوفان الأقصى أن يصبح هو نفسه صانع السلام في المنطقة أشك كثيرا لكن تلك هي الحقيقة التي ما زالت غائبة عن ضمير كل صانع قرار أميركي وهذا هو الاختبار الذي على ترامب أن يخوضه منذ اليوم الأول لدخول البيت الأبيض فلندع الأيام هي التي تفصل وعلى الشعوب العربية في جميع الأحوال إعادة ترتيب أوراقها استعدادا لكل الاحتمالات

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح