تدريس الفن في مصر أزمة منهج أم أزمة عقلية
في الوقت الذي يشهد فيه العالم تغيّرات جذرية في طبيعة الممارسة الفنية، إذ تندمج الفنون بالتكنولوجيا، وتتحول المعارض إلى تجارب بصرية، وسمعية، وحسية، يقف خريجو كليات الفنون في مصر في حيرة من أمرهم. كثيرون منهم لا يعرفون من أين يبدؤون، ولا إلى أي مشهد ينتمون، ولا لماذا يبدو ما تعلموه في القاعات الدراسية كأنه شيء من الماضي.
هنا، يشعر الفنان الشاب أنه خرج إلى ساحة فنية يتحدث أهلها بلغة لم يتعلمها، ويستخدمون أدوات لم يلمسها، ويطرحون أسئلة لم تُذكر في أيّ مقرّر جامعي. كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ وكيف تحوّلت الأكاديميات، التي كانت منارات للنهضة، إلى بيئات لا تواكب التغيّر؟
أول مدرسة
في عام 1908، وبمبادرة من الأمير يوسف كمال، شُيِّدت أول مدرسة لتدريس الفنون الجميلة في مصر. كانت تلك الخطوة، يومها، بمثابة ولادة مشروع نهضوي ثقافي يعكس تَوق المصريين للحاق بركب الحداثة، والانفتاح على عالم باتت فيه الفنون لغة للتطور والتعبير عن الهوية.
أكاديميات ومعاهد لا تزال تدرّس مناهج فنية عمرها قرن
ضمت الدفعة الأولى 22 طالباً مصرياً، ووقف إلى جوارهم معلمون أوروبيون جاؤوا من فرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، حاملين معهم مناهج تعليمية راسخة ومجربة، تتوافق مع طبيعة الممارسة الفنية الكلاسيكية في ذلك الوقت، حين كان الرسم والنحت يمثلان ذروة التعبير الفني.
لكن السؤال الذي يُطرح بقوة اليوم هو: هل لا تزال هذه المناهج كافية لتخريج فنان قادر على التفاعل مع المشهد الفني المعاصر عالمياً؟ وهل تكفي المهارات الأكاديمية التقليدية لصناعة فنان اليوم، الذي أصبح مطالباً بأن يكون مفكراً، وباحثاً، ومجرباً؟
عندما تأسّست الأكاديميات الفنية في مصر، كانت أوروبا تمرّ بمرحلة ازدهار فني غير مسبوق، إذ بدأت ملامح الحداثة تتشكل بقوة في العواصم الأوروبية. هناك، تطوّرت فلسفات الفن، وتغيرت الأسئلة التي يطرحها الفنانون، وتحولت أدواتهم ووسائطهم.
لذا؛ استعانت مصر بعدد من الرسامين الأوروبيين لتدريس الفنون للطلبة، مثل الرسام الفرنسي هنري ليزارد، والإيطالي سيلفستر، وغيرهم، وكانت مناهج التدريس التي وضعها هؤلاء مستمدة من النموذج الأوروبي الكلاسيكي. وقد ساهم ذلك في صقل
ارسال الخبر الى: