هل تخلى ترامب عن إسرائيل أو نتنياهو

43 مشاهدة
لا جدال في أن أي توتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية مؤسسيا كان أو بين الحكومتين أمر مرحب به فلسطينيا وعربيا فالدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل هو ما يمكن الأخيرة من الاستمرار في جرائمها وعدوانها وليس صحيحا أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية لا تخضع لضغوط واهتزازات عندما تتباين المصالح وتختلف الأولويات وثمة سوابق كثيرة في هذا السياق تظهر أين أبدت واشنطن لتل أبيب العين الحمراء كما في جر الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب 1989 1993 حكومة إسحاق شامير إلى مفاوضات مدريد عام 1991 رغما عنها طبعا لا تختزل التوترات ولا افتراق الأجندات بين الحليفين الوثيقين في رئاسة بوش فهي سابقة عليها عبر إدارات ديمقراطية وجمهورية متعاقبة ولاحقة عليها كذلك عبر إدارات ديمقراطية وجمهورية متعاقبة لكن المبالغة في افتراض إمكانية الطلاق البائن بين أميركا وإسرائيل في المدى المنظور لا تقل سذاجة وخطورة عن الزعم أن أجندتهما ومصالحهما أو أجندتي قيادتيهما ومصالحهما دائما واحدة لا تفترقان ومن ثم لا بد من تقييم هادئ وموضوعي وواقعي لأي تعارض بينهما في المصالح من دون السقوط في وهم تخلي الولايات المتحدة عن إسرائيل قريبا في الوقت ذاته الذي يستثمر فيه فلسطينيا وعربيا في توسعة أي شقوق وشروخ قد تطرأ على جدار الدعم الأميركي الفولاذي لإسرائيل داعي المقدمة السابقة ما نشهده حاليا من توتر مكتوم بين إدارة دونالد ترامب وحكومة بنيامين نتنياهو الذي تؤكده تقارير أميركية وإسرائيلية كثيرة واتضح ذلك بشكل بين وجلي من خلال جملة من القضايا التي تباينت فيها أولويات الطرفين وسياساتهما يتصدر هذه القضايا الخلاف بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو بشأن كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني إذ يفضل ترامب المفاوضات مع إيران للحيلولة دون امتلاكها سلاحا نوويا فيما يريد نتنياهو ضربات عسكرية أميركية إسرائيلية ضد طهران لتحقيق ذلك ثم كان هناك الاتفاق الأميركي مع جماعة أنصار الله جماعة الحوثي في اليمن لوقف التصعيد العسكري بينهما وهو الاتفاق الذي لم يشترط وقف الضربات الصاروخية اليمنية على إسرائيل أو وقف استهداف سفنها في البحر الأحمر جراء استمرار عدوانها على قطاع غزة ولم تتوقف الأمور عند ذلك إذ تحركت واشنطن من وراء تل أبيب وفاوضت حركة حماس للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر وهو ما وضع نتنياهو في موقف حرج أمام حكومته وأمام الشارع الإسرائيلي الناقم عليه لفشله في تأمين الإفراج عن الأسرى الآخرين من حملة الجنسية الإسرائيلية فقط حتى في سورية لم يرضخ ترامب لضغوط نتنياهو فكان أن طالبه أولا الشهر الماضي بالعمل مع الأتراك لتفادي الصدام بينهما ثم بادر قبل يومين إلى إعلان رفع العقوبات الأميركية عن حكومة الرئيس أحمد الشرع التي يصر نتنياهو على أنها حكومة جهادية إرهابية ولا ينسى هنا استثناء ترامب إسرائيل من رحلته التي قام بها إلى المنطقة في بحر هذا الأسبوع وهو عكس ما كان قد فعله ترامب نفسه عام 2017 خلال رئاسته الأولى وعكس ما كان قد فعله سلفه بعد ذلك جو بايدن عام 2022 صحيح أن ترامب شخصية تعاقدية ولكنه أيضا متقلب ومراوغ ومحتال المعطيات السابقة وهي صحيحة وفيها مزيد من التفاصيل بعضها شخصي مثل امتعاض ترامب من انطباع تولد لديه أن نتنياهو يحاول التلاعب به أو ما قيل عن تنسيق بين نتنياهو ومستشار الأمن القومي الأميركي المقال مايك والتز من وراء ظهر ترامب لترويج ضرب إيران عسكريا دفعت بعضهم إلى افتراض أن شهر العسل الأميركي الإسرائيلي أو حتى بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو على وشك الانقضاء بل جنح بعضهم إلى نوع من الهذيان عبر الحديث عن انقطاع حبل الدعم الأميركي لإسرائيل منطلقين من إسقاط متعسف للآية القرآنية الكريمة ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس آل عمران 112 ولا يعدم أصحاب هذه الرأي أسانيد لفرضية الافتراق الأميركي الإسرائيلي أو على الأقل بين نتنياهو وترامب إذ إن تقارير إعلامية في صحف أميركية وإسرائيلية مرموقة تشير إلى ذلك وتؤكده لكن مجرد إيراد هذا المعطى لا يعني أن نسقط ضحايا تهويل يعكس أماني أكثر منها حقائق ويصبح من الضروري أن نقارب المسألة موضوعيا بحيث لا نقلل من أهمية الخلافات والتباينات بين الطرفين من دون أن نسمح لمخيالنا بأن يسرح بعيدا من الواقع وبالمناسبة فإن التقارير الأميركية والإسرائيلية الإعلامية التقليدية تميل عادة إلى المبالغة في هذا الشأن تماما كما مؤسسة الحكم إذ إنها تنطلق من فرضية مسبقة أن العلاقة بين الدولتين غير قابلة للمس بها وإضعافها وعلى هذا الأساس فإن أي توتر بين البلدين أو بين حكومتيهما يجري تهويله بداية من المهم هنا أن نؤكد أن ترامب ليس كأي رئيس أميركي سبقه على الأقل في العصر الحديث إذ لا يخضع للمقاربات والقوالب التقليدية المعروفة في هذا الصدد هذا رجل يملك الحزب الجمهوري الذي تحول إلى ما يشبه نوعا من الطائفة التي تعيش في جلباب الزعيم أو رمزها الروحي وهو لا يتردد في أن يصادم التقاليد والأعراف السياسية الأميركية المتعارف عليها كذلك فإنه لا يخشى أن يصطدم بما يسميها الدولة العميقة أو حتى الثوابت الأميركية داخليا وخارجيا من ذلك محاولاته لإعادة تشكيل الولايات المتحدة دستوريا وقانونيا وقيميا وأيديولوجيا بما في ذلك تحدي القضاء واشتراط الولاء الشخصي له فيما يبتعد عن الحلفاء التقليديين لواشنطن ككندا وأوروبا وحلف شمال الأطلسي والتصعيد معهم كما في معركة التعرفات الجمركية في الوقت الذي يسعى فيه للتقارب مع خصوم تاريخيين لبلاده كروسيا وكوريا الشمالية وهو مع تمرده على الأنماط السائدة سياسيا في الولايات المتحدة يبقى جزءا كبيرا من قاعدته الانتخابية الواسعة متمسكا به بل ويلتمسون له المبررات والأعذار وهو بارع في تسويغ أي شيء لهم مهما بدا مستهجنا من ثم فإن أي زعيم أجنبي يفكر ألف مرة قبل أن يصطدم بترامب المعتد بنفسه كلنا يتذكر توبيخه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام عدسات الكاميرات في البيت الأبيض في فبراير شباط الماضي إذ إنه وريث المقولة المنسوبة إلى الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الدولة أنا وأنا الدولة أيضا معروف عن ترامب أنه شخص تعاقدي وهو لا يخفي ذلك بالنسبة إليه ما يقاربه على أنه مصالح أميركية أو شخصية مقدم عنده على أي ثوابت مفترضة نتمنى أن تكون الطريقة التي أديرت بها زيارة ترامب للمنطقة مقدمة عربية لمقاربة جديدة تتحلل من منطق التبعية والتعاقدية الضيقة نتنياهو مثل أي زعيم أجنبي آخر يدرك هذه الحقائق عن ترامب ويعلم أن الصدام معه لن يكون كما اعتاد من صدامات مع بيل كلينتون وباراك أوباما وجو بايدن والإهانات التي كان يلحقها بهم أولئك كانوا قابلين للابتزاز من اللوبي الصهيوني والسياسيين والمتبرعين الداعمين لإسرائيل أما ترامب فهو متقلب المزاج معتد بذاته واثق بتماسك قاعدته الانتخابية المؤمنة بشعاره الانتخابي أميركا أولا وهو يعلم أنه لن يكون مرشحا لفترة رئاسية ثالثة مهما لمح إلى هذا الأمر لكن هذا لا يعني أن ترامب في وارد التخلي عن إسرائيل بل قد لا يكون في وارد التخلي عن نتنياهو نفسه التفريق بين التخلي عن إسرائيل والتخلي عن رئيس وزرائها أمر شديد الأهمية في السياق الأميركي فالأول غير متصور راهنا أما الثاني فممكن دائما أولا هو ترامب يدرك قوة إسرائيل وأنصارها في واشنطن وهو بطبيعته يحترم الأقوياء ومن ثم فإن الذهاب بعيدا في الاحتكاك بهم أمر لا يستحق كثيرا من العناء وصرف رأس مال سياسي ثانيا ترامب نفسه شخصية مسكونة بهوس الكراهية والعنصرية والفجاجة وكره الضعفاء والفلسطينيون بالنسبة إليه ضعفاء لا يستحقون كثيرا من التعاطف ثالثا صحيح أن ترامب شخصية تعاقدية ولكنه أيضا متقلب ومراوغ ومحتال من هنا هو يرى أن مصالح أميركا ألا تتورط في حروب تصعيدية تسعر إسرائيل نيرانها كذلك فإنه مستاء من تقديم نتنياهو مصالحه وأولوياته على مصالحه أي ترامب وأولوياته ومنها تحقيق إنجاز تاريخي في وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتوقيع اتفاق نووي مع إيران وإدخال السعودية في الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل فضلا عن تأمين استثمارات خليجية هائلة في الاقتصاد الأميركي وهو مستعد لمعاقبة نتنياهو وحتى إسرائيل لكن ليس للتخلي عنهما كليا رابعا ينبغي أيضا ألا نقلل من قدرة نتنياهو على المراوغة والتلاعب فهو يفهم طبيعة ترامب كذلك ويعلم أنه متقلب المزاج تتبدل آراؤه ومواقفه مرارا وتكرارا مثال ذلك فكرة تهجير سكان قطاع غزة ومن ثم نراه يبلع الإهانات الآن في انتظار اللحظة المناسبة لمحاولة التأثير في ترامب مجددا النقطة الأخيرة مهمة جدا ونختم بها إسرائيل وبغض النظر عمن يكون في سدة الحكم فيها تدرك ضرورة الدعم الأميركي لبقائها ومن ثم فهي تستثمر في العلاقة مع الولايات المتحدة لحماية مصالحها ووجودها أما العلاقات العربية الأميركية فهي تخضع في الغالب لمنطق التعاقدات والصفقات في سبيل تأمين بقاء أنظمة الحكم لا مصالح المنطقة وشعوبها وإن كنا نتمنى أن تكون الطريقة التي أديرت بها زيارة ترامب أخيرا للمنطقة مقدمة عربية لمقاربة جديدة في العلاقة مع الولايات المتحدة تتحلل من منطق التبعية والتعاقدية الضيقة بغير ذلك فإن التباينات الأميركية الإسرائيلية الحالية ستكون مؤقتة وقد تنقلب ضدها وفي كل الأحوال لا ينبغي المبالغة في حجم التباينات والحديث عن طلاق بائن بينونة كبرى ولا حتى صغرى بين أميركا وإسرائيل فنحن بعيدون عن ذلك كذلك لا ينبغي أن ننسى أن أميركا هي نفسها دولة إمبريالية بالمعنى التقني للكلمة لا الأيديولوجي وهي منحازة مؤسسيا لإسرائيل وللمشروع الصهيوني ليس أيديولوجيا فحسب بل وكذلك استراتيجيا منذ أن باركت إدارة وودرو ويلسون وعد بلفور عام 1917 قبل أن تصدره حكومة بريطانيا بشهرين تقريبا

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح