تحديد الضحية والجلاد في الرواية السورية
استدعت، وربما سرّعت، الضجة التي أثيرت مؤخراً حول رواية جنة البرابرة لخليل صويلح طرح مجموعة من الأسئلة القديمة والجديدة، تمحور بعضها حول العنف الثقافي في سورية بشقّيه: ما يُمارس على الثقافة من عنف خارجي، وما تمارسه الثقافة بمكوّناتها من عنف تنميطي يمنحها شرعية وَسْم ثقافات محليّة أخرى بصفات تحقيرية مثل الانحطاط والخيانة والجهل، أو السخرية والنيل من الرموز الثقافية الأخرى.
كما ذهب بعضها الآخر إلى التساؤل عن مدى ارتباط المنتج الأدبي بالواقعي المعيش، وإلى أي مدى يمكن للرواية السورية التي تناولت موضوعات العنف الجاري في البلاد بعد ثورة 2011 أن تحمل في سرديّتها صدقية توثيقية، وربّما سياسية، لمجريات الأحداث من منظور هذا الطرف أو ذاك.
المشهد الأخير
كانت رواية جنة البرابرة (2014)، التي تتحدث عن عنف الجهات المتحاربة، قد مُنعت من التداول في سورية في زمن النظام السابق، وحدثت الضجة بعد أن طُلِب منها أيضاً، من النظام الوليد، إجراء مجموعة من التعديلات والتسميات فيها لمنحها الإذن بالتداول. والرواية المذكورة هي واحدة من قرابة 450 عملاً روائياً صدر في سورية وخارجها منذ اندلاع الثورة السورية، بحسب إحصاءات أولية، وتناولت معظمها الحدث السوري في مساره العنفي وتداعياته، وشكّل العنف الدائر الإطار العام لمجرياتها وحركة شخوصها وانفعالاتهم.
وثقت الروايات معاناة السوريين بين النزوح والشتات والخوف
وليس العنف في الرواية السورية جديداً، لكنه -باستثناء الروايات التي ذهبت باتجاه أدب السجون وتصوير العنف على المعتقلين- بقي ضمن المنسوب المفهوم لآليات الصراع المجتمعي والسياسي في حينه، وخاضعاً لشروط التوظيف الفني والجمالي.
لكن الروائيين السوريين أنفسهم، القدامى والجدد، الموالين والمعارضين، وجدوا أنفسهم في السنوات الأخيرة مدفوعين إلى الغوص في تصوير العنف وتداعياته، ورصد الحياة الفردية والجماعية والبيئات المحلية وفق مندرجاته. ومن النادر أن تخلو واحدة من الروايات السورية، المنشورة منذ ذلك الحين إلى تاريخه، من تصوير العنف المباشر أو الأثر الناجم عنه.
وإذا كان لعناوين الروايات من دلالة، فإن رواية الخائفون (2017) لديمة ونوس، كشفت عمق العنف السياسي للنظام البائد وسعيه الدائم لتكريس ثقافة الخوف نقطةَ
ارسال الخبر الى: