تأصيل العلمانية العربية وتحولات القرن العشرين
يأتي كتاب الباحث والكاتب اللبناني يوسف الشويري سرديات العلمانية العربية: الحقل السياسي وحقوق المرأة والمجال الديني (مركز دراسات الوحدة العربية، 2025)، في لحظة تتشظّى فيها المجتمعات تحت ثقل الحروب الأهلية، وغياب التنمية والحقوق، وفشل الثورات العربية.
فشلٌ التقطه الشويري منذ عام 2014، حين رأى الديمقراطية تعود حلماً بعيد المنال، مع النجاح الجزئي للتجربة التونسية آنذاك في تحقيق بعض أهداف الربيع العربي، في مقابل ارتداد البلدان الأخرى إلى أشكال جديدة من الاستبداد، أو سقوطها في النزاعات الأهلية، أو وقوعها ضحية غزوٍ أجنبي. وقد أعاد هذا المشهد إلى الشويري اهتماماً سابقاً لديه، دفعه إلى صياغة تعريفات للعلمانية ضمن إطار عربي، بخاصة مع الحاجة إلى تعزيز شعور التعلمن لدى الأفراد، سواء في شؤون الحياة اليومية أو في القضايا السياسية الأوسع.
يوضح الكتاب تطبيقات العلمانية في العالم العربي، ضمن منظور مزدوج؛ يضمن الحياة الكريمة للمواطنين، ويساهم في تحرير النساء. كما يقرأ تحوّلات العلمانية قراءة تاريخية تُظهِرها في القرن التاسع عشر جزءاً من مساعٍ أوسع هدفت إلى إصلاحات سياسية ومجتمعية، ثم تبلورت، في النصف الأول من القرن العشرين، عبر تيارات علمانية ارتبطت بمشاريع سعت إلى تأسيس دول مستقلة. في تلك المرحلة، كانت مشاركة المرأة في الحياة العامة تُعدّ أساساً قانونياً، لا استثناءً، وكان حق النساء في التعليم والعمل والمشاركة السياسية جزءاً من مشروع الدولة الحديثة.
أمّا في عصر القومية العربية، وعلى خلاف الادعاءات، فلم تعتمد الأنظمة الجمهورية العلمانية عنصراً دستورياً أو أداة للحكم. وهي الحقبة التي يسميها الشويري الفرصة الضائعة للعلمانية العربية، وقد ترتّب عليها تحميل العلمانية مسؤولية إخفاقات سياسية واجتماعية أصابت المجتمعات. كما يعيد الكتاب طرح ضرورة قيام علمانية عربية تُستبدل فيها الأوامر الدينية بقانونٍ علماني، بوصف ذلك شرطاً لبناء مجتمع حديث.
يقرأ مسارات تطوّر العلمانية العربية عبر ثلاث لحظات
يمهّد هذا التقديم لعودة أعمق، يقدّمها الشويري في البحث عن جذور عربية للعلمانية، انطلاقاً من أن الإسلام، كغيره من الديانات، ليس محصّناً ضدها. ويستعيد هنا موقع ابن رشد في الفكر الغربي الحديث، كما يركز
ارسال الخبر الى: