بوفيه الحمادي حكاية ٤٧ عاما من السندوتشات والليمون والشاي والذكريات التي لا تنسى

كتب د. الخضر عبدالله:
على مقربةٍ من مبنى سوق مدينة الشيخ عثمان بعدن، وفي زاوية لا يلتفت إليها العابر لأول وهلة، يقف محل صغير بواجهة بسيطة وشبّاك حديدي قديم يتكئ على باب عتيق. ورغم بساطة شكله، إلا أنّه يحتفظ في داخله بتاريخ لا يقل عمقاً عن تاريخ المدينة نفسها. إنها بوفيه الحمادي… مكان بات جزءاً راسخاً في ذاكرة أهالي الحي، ومحطة إنسانية تجمع بين عبق الماضي ونبض الحاضر المتغيّر.
البداية… حلم رجل بسيط في زمن صعب
في عام 1978، حين كانت عدن تعيش إيقاعاً هادئاً رغم ما يمر بها من شح وواقع معيشي صعب، قرر عبدالرحمن الحمادي أن يفتتح محلاً صغيراً ملاصقاً لسوق الشيخ عثمان. لم يمتلك رأس مال كبيراً، لكنه امتلك ما هو أهم: إرادة صلبة، وحب للعمل، وإيمان عميق بأن اللقمة الحلال تصنع للإنسان معنى وكرامة واستقراراً.
بدأ عبدالرحمن مشروعه بقائمة بسيطة: سندوتشات خفيفة، بيض مسلوق، ليمون طازج، وشاي بالحليب أصبح لاحقاً علامة مميزة للبوفيه. ورغم بساطة المكونات، إلا أن روح المكان كانت دافئة، تجعل الزبون يشعر وكأنه في منزلٍ صغير مليء بالمحبة. كان الطلاب يتوقفون فيه صباحاً قبل ذهابهم لمدارسهم، وكان عمّال السوق وأصحاب البسطات يجدون فيه محطة يستريحون عندها من هموم يومهم. وحتى كبار السن كانوا يقصدون البوفيه ليبادلوا الأحاديث ويتابعوا آخر أخبار الحي.
صوت السياسة وندى الصباح
لم تكن بوفيه الحمادي مجرد محل للأكل، بل كانت أقرب إلى مقهى شعبي غير معلن. مكان يجلس فيه رجال الحي طويلاً يتبادلون النقاشات والحكايات. كان بعض الزبائن، ممن عاشوا فترة الاحتلال البريطاني، يستعيدون ذكريات تلك الأيام، ويتحدثون عن دورهم في مواجهة النفوذ البريطاني وكيف تغيّرت عدن بعدها. كانت النقاشات السياسية جزءاً من طعم الشاي، وكانت رائحة الخبز الساخن تمتزج مع قصص النضال القديمة، حتى أصبح المكان شاهداً على أجيال تعاقبت وأحداث مرّت ولم تُنسَ.
2003… حين تعب الجسد وواصل القلب
مرت السنوات واحدة تلو الأخرى، وكبر عبدالرحمن. وبرغم تقدّم العمر، ظل واقفاً خلف الموقد، يعدّ السندوتشات بيده ويقدّم
ارسال الخبر الى: