لا خير في أمة بالدفء تلتحف وأطفال غزة ونساؤها ورجالها بالعراء ترتجف
في زمن تتداعى فيه القيم وتتكشف فيه حقيقة المواقف، يصبح الإنسان أمام امتحان حقيقي يكشف أصالته وعمق انتمائه لأمته وقضاياها الكبرى.
وما يجري اليوم في غزة ليس حربًا عابرة ولا عدوانًا طارئًا، بل هو معيار صافٍ يُقاس به صدق الشعوب والأنظمة، وميزان دقيق يفرز الحر من التابع، والشريف من المتخاذل.
فمن غير المقبول ولا مما يمكن تبريره أن تنعم أمة بالدفء والرخاء، فيما أطفال غزة يواجهون العراء والبرد والجوع والموت في كل لحظة، متشبثين بصمود يفوق الوصف في وجه آلة بطش لا تعرف للإنسانية معنى.
إن المأساة التي تعيشها غزة اليوم ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة عقود من التآمر والصمت والخذلان.
فالمحتل الإسرائيلي ما كان ليستمر في جرائمه لولا منظومة واسعة من الدعم السياسي والعسكري من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى صمت عربي رسمي بات أشد قسوة من قنابل العدو نفسها.
وما يزيد المشهد إيلامًا أن الأنظمة التي تدّعي الدفاع عن الأمة هي ذاتها التي تغلق أبوابها أمام شعوبها، وتمنع حتى أصوات الإدانة من أن تخرج.
ومع هذا السواد، تبقى الشعوب بصوتها الحر هي الأمل الحقيقي الذي يحفظ شرف الأمة وكرامتها، فقد أثبتت مرارًا أنها أكثر وعيًا من حكوماتها، وأكثر استعدادًا للتضحية من أجل الموقف الحق.
لكن السؤال الأعمق الذي يجب أن يُطرح اليوم: ما قيمة الدفء الذي نتحصّن به إن كان ثمنه صمتًا عن برودة الموت التي تطوق أطفال غزة؟ وما قيمة الأمن الشخصي إن كان ثمنه التخلي عن أمن أمة بأكملها؟ وكيف ينام مطمئنًا من يدرك أن أهل العزة في غزة يتجمدون في خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا قسوة القصف؟
لقد أفرزت معركة غزة نموذجين لا ثالث لهما: نموذج يقف بوضوح مع الحق ويمد يد العون بكل وسيلة، ونموذج يهرول نحو التطبيع، يضيّق على الشعوب، ويبحث عن رضا واشنطن وتل أبيب ولو على حساب دماء الأبرياء.
وفي مقابل هذا التخاذل الرسمي، برزت مواقف الشعوب الحرة في اليمن ولبنان والعراق وكل دول العالم
ارسال الخبر الى: