الكتابة تحت القصف

82 مشاهدة

في زمنٍ كالحرب، حين يتهاوى المعنى، وتغرق اللغة في فوضى الدم والرماد، تصبح الكتابة فعلاً شبه مستحيل، فالكلمات تُخذَل، والعقل يترنّح، والمشاعر تنفجر في داخلنا كقنابل لا صوت لها.

يقولون في غزّة: كيف نكتب وسط هذا الخراب؟ كيف نُمسك بخيط الوعي ونحن نرتجف داخل كابوسٍ لا يستفيق؟ تساؤل طرحه جوزف كونراد مرّة: كيف تفكر في وعي وأنت في كابوس؟، وكأنّه كان يصف ما يعيشه كل من يحاول اليوم أن يكتب عن غزّة، عن الأطفال المذعورين، عن البيوت التي تبتلعها النار، عن الأرواح التي تُسحب من تحت الركام.

أن تكتب وسط هذا كله يعني أن تحاول النجاة بالكلمات من عالمٍ غارق في الصمت.

ليست الكتابة في لحظات الألم ترفاً فكرياً، وليست محاولةً لصنع نصٍّ بليغٍ يليق بالجوائز على سبيل المثال. إنها مقاومة. صرخة داخلية تبحث عن نافذة. الكاتب الذي يجد نفسه محاصراً بين الأخبار والصرخات والصور التي تنكسر فيها ملامح البشر، لا يسعُه أن يكتب كمن ينظر من بعيد إلى أمرٍ لا يهمّه. هو ليس شاهداً فقط، بل مجروح، يعاني عجز اللغة عن احتواء ما يرى، إذ تأتي الكلمات مكسورة، مرتعشة، تائهة في دهاليز الألم. ومع ذلك، لا بد أن نكتب. لا بد أن نحاول.

أن تكتب عن غزّة اليوم يعني أن تكتب وأنت تحمل حجراً في صدرك. أنت لا تسرُد ما يحدُث فحسب، بل تصوغ من الدم لغة، ومن الفقد شهادة، ومن الخراب محاولة للفهم، فالطفل الذي يركض حافياً تحت القصف، والمرأة التي تودّع أولادها بلا وداع، والشيخ الذي يجلس على أنقاض بيته حاملاً صوراً محطّمة… كلهم أمانة في عنقك. مهمّة شاقة أن تصوغ هذا كله في جملة، أن تختصر كل هذا الموت في فقرة. لكنك تحاول، لأن الصمت خيانة.

في لحظاتٍ كهذه، لا تعني الكتابة الحياد، ولا تعني التوازن البارد الذي يفصل بين الضحية والجلاد. بل تعني الانحياز للإنسان، للوجع، وللحقيقة التي يُراد دفنها تحت ركام الإعلام المُعلّب. مهمة الكاتب هنا أن يخرق الصمت، أن يلتقط ما لا يُقال،

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح