الفنان الغزي وحدود المأساة
منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش أهل غزّة إبادة جماعية تُقارب في وحشيتها ما يمكن وصفه بـمحرقة جديدة لم يشهد التاريخ المعاصر لها مثيلاً. لقد دفع هذا الواقع المرير العديد من الفنانين الفلسطينيين خصوصاً منهم الغزيين، بوصفهم ضحايا وشهوداً عليها، إلى تحويل أدواتهم الفنية إلى وسائط مزدوجة الوظيفة: أدوات مقاومة وتوثيق تسعى إلى حفظ الذاكرة الجماعية وفضح جرائم الاحتلال المرتكبة، وكذلك نداء استغاثة إلى العالم، في محاولة لكسر جدار الصمت الدولي.
في مجموعة رسوماته المعنونة بـنداء استغاثة.. أنقذوا أرواحنا يستعين الفنان الغزّي سهيل سالم بمواد بسيطة، حيث يحوّل الأدوات المتوفرة مثل أقلام الحبر، وعبوات الأدوية، وأوراق دفاتر الطلبة إلى وسائل تعبير. تتميز رسومات سالم، التي تجمع بين الهشاشة والقوة، بشدتها البصرية وعمق شحنتها العاطفية: داخل دوامة محمومة من الخطوط توحي بالخراب الذي يبتلع حياتهم اليومية، شخوص تتحرّك على خلفية قاتمة تكشف عن ألسنة لهيب متداخلة، أفواه مدافع مشحونة بالقتل وأطلال منازل حيث يتجاور الأحياء مع الأموات في تركيبة واحدة تطمس الحدود بين الوجود والفقد. أحياناً معزولة وأحياناً مكتظة في فضاءات ضيقة، تبدو هذه الوجوه أسيرة لعالم خانق لا يكتفي الفنان فيه بإظهار دمار المكان، بل يكشف أيضاً عن الانهيار الداخلي لأرواح سحقتها الحرب. الكتابة البصرية الكثيفة، المشحونة والمتشابكة لسهيل سالم، تعتمد على لغة رمزية قادرة على التعبير عن وحشية ما لا يُحتمل، دون أن تختزله في تمثيل مباشر أو سطحي. على سبيل المثال، تظهر رسومات رؤوساً طفولية مجنّحة سابحة، مغمضة العينين، في الفضاء؛ أو المرأة العزلاء، ذات الوجه التعيس، التي تعانق بذراعيها الفراغ. في رسومات أخرى، تتداخل الواقعية مع التجريد، ضمن حالة من التقاطع البصري القلق، حيث تتشوّه الأشكال وتتفتّت حتى تفقد صلتها المباشرة بما تمثله في الواقع، وكأن أجساد الضحايا تذوب في دوامة من الخطوط المتداخلة، فتبدو مثل بقايا وجود بائس انتزعه قتام الحرب من النور.
لغةٌ رمزية قادرة على التعبير عن وحشية ما لا يُحتمل
مُثقلاً بهواجس موت وشيك، بعدما شهد تدمير منزله ومرسمه، يُدون الفنان الغزّي
ارسال الخبر الى: