فعلتها تركيا منتصف العام 2015 حينما أعلن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء وقتها تمكن بلاده من سداد جميع الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي كانت هذه هي المرة الأولى منذ 52 عاما التي تصبح فيها تركيا بلا ديون لدى صندوق النقد وقبلها نجحت تركيا في عام 2013 في إنهاء مغامرات الاستدانة من الصندوق في عهد الحكومة التركية الواحدة والستين التي شكلها أردوغان وقتها رغم أن الحكومات التي سبقت حكومة العدالة والتنمية كانت تعتمد بشكل كبير على الصندوق في تدبير موارد الدولة وسد الفجوات التمويلية وتغطية عجز الموازنة ورغم الضغوط الشديدة التي تعرض لها الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة جراء التضخم الجامح وتهاوي سعر صرف الليرة إلا أن الحكومات المتعاقبة رفضت اللجوء لصندوق النقد والاستدانة منه بسبب المخاطر الشديدة المترتبة على ذلك ومنها المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث تدرك تلك الحكومات أن برامج الصندوق تعمل على إغراق الاقتصادات الوطنية في مستنقع الاستدانة والتبعية والارتهان للدائنين الدوليين والقضاء على الطبقة الوسطى والتسبب في موجات غلاء وتضخم أسعار وعدم استقرار اقتصادي ومالي لا ينتهي ووضع النظام الحاكم في مواجهة مستمرة وربما صدام مع المواطن الذي يتحمل وحده كلفة برامج التقشف التي يفرضها الصندوق وغيره من الدائنين العراق يسدد كل مستحقات صندوق النقد الدولي والبالغ قيمتها 8 مليارات دولار مرة واحدة تركيا عندما سددت القسط الأخير من قرض صندوق النقد كانت وقتها من ضمن 11 دولة في العالم تمكنت من تصفير ديونها للصندوق في الوقت المحدد ودون تأخر في السداد منذ عام 2000 وكان من أبرز تلك الدول كوريا الجنوبية 2001 والبرازيل 2005 وروسيا وأوروغواي 2006 ولاتفيا وهنغاريا 2013 ومقدونيا ورومانيا وآيسلندا 2015 وهذا الأسبوع أقدم العراق على تكرار هذا السيناريو حينما قام بسداد الديون المستحقة عليه لصندوق النقد مرة واحدة ووفق تصريحات مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية العراقي مظهر محمد صالح فقد سددت بلاده كامل القروض التي حصلت عليها من صندوق النقد الدولي منذ عام 2003 والبالغة قيمتها 8 مليارات دولار واللافت أن العراق وحتى سنوات قريبة كاد أن يرتمي كلية في أحضان صندوق النقد والدائنين رغم أنه دولة نفطية وذلك بسبب الفساد الذي كان مستشريا في البلاد وأكل الأخضر واليابس وجرف موارد الدولة الدولارية وصاحبه تهريب عشرات المليارات من الدولارات للخارج من قبل الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003 ففي عام 2021 طلب العراق قرضا طارئا بقيمة 6 مليارات دولار من صندوق النقد وفي مايو 2016 حصل على قرض من الصندوق بقيمة 13 مليار دولار لسد عجز الموازنة العامة والفجوة التمويلية التي كانت تمر بها البلاد وكاد العراق أن يغرق في وحل الديون الخارجية وأن يكرر تجارب دول عربية أخرى لكنه قرر وضع حد لنزيف الاقتراض والفساد المالي ونهب المال العام عبر الاستفادة من موارده الدولارية الحالية خاصة الناتجة عن تحسن سعر النفط والغاز وقام بمراكمة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي الذي كاد أن يتبخر قبل سنوات وسد إلى حد ما قنوات تهريب الأموال إلى دول مجاورة ومنها إيران وسورية ولبنان وبذلك فلت العراق من المصير الذي يلقي الدول الدائنة التي ترتمي في أحضان تلك المؤسسة المالية والخضوع لبرامجها السامة وقروضها الخبيثة والتي قلما تفلت دولة من تداعياتها الخطيرة في مقابل خطوة العراق التحرر من عبودية صندوق النقد الدولي تصر حكومات بعض الدول ومنها مصر والأردن والمغرب والسودان وتونس ولبنان وباكستان والأرجنتين على الحصول على مزيد من القروض وبالتالي الغرق أكثر في وحل الاستدانة الخارجية وما يتبعها من تطبيق برامج تقشفية يدفع المواطن كلفتها كاملة في صورة قفزات في الأسعار وتهاوي في العملات المحلية وإفقار جماعي وانهيار للطبقة الوسطى وانضمام الملايين لطبقة الفقر المدقع