نهاية العالم المشترك وميلاد زمن ما بعد الحقيقة

63 مشاهدة

في صباحٍ رماديّ من شتاء واشنطن عام 2017، بدأت السماء تمطر خفيفاً فوق رؤوس الحاضرين في مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. رفع الناس مظلاتهم، لكن الرئيس، مبتسماً أمام الجماهير، أعلن بلهجة الواثق: إنها لا تمطر. لم يكن المشهد عابراً.

في اليوم التالي، حين واجه المتحدّث باسم البيت الأبيض سيل الصور التي تثبت أنَّ الحضور في الحفل كان أقلّ بكثير من حفل سلفه أوباما، أصرّ على أن الحشود كانت الأضخم في التاريخ. وحين طُلب من مستشارة الرئيس كيليان كونواي تفسير هذا الادعاء، قالت ببساطة أصبحت شهيرة: لم تكن أكاذيب. كانت حقائق بديلة.

تلك العبارة القصيرة كانت أشبه بصافرة إعلان لانتهاء عصرٍ وبدء آخر، كما تقول الباحثة الإسبانية ماريام مارتينيث-باثكويان في كتابها نهاية العالم المشترك: حنة آرندت وعصر ما بعد الحقيقة (دار تاوروس، مدريد، 2025)، وهي على حد تعبيرها، لحظة ميلاد عصر ما بعد الحقيقة. هذا الزمن الذي لم تعد فيه الحقيقة محور الخلاف، بل صارت موضوعاً للإنكار. وهي لحظة صار الكذب، انطلاقاً منها، أداةً لزرع الشكّ في إمكان وجود الحقيقة نفسها.

ترى مارتينيث-باثكويان أن ما يميز عصر ما بعد الحقيقة هو تشوّه ملكة الحكم لدى المواطن، تلك القدرة العقلية والأخلاقية التي تسمح لنا بالتمييز بين الصواب والخطأ، إضافة إلى انتشار التضليل أو فيض المعلومات الزائفة.

لا شيء يهدد السياسة أكثر من انعدام العالم المشترك

تستحضر مارتينيث-باثكويان فكر حنّة آرندت لتكشف خطورة هذا التحوّل. فكما تشير آرندت في الوضع البشري، إن أخطر ما يهدد السياسة هو غياب العالم المشترك الذي يجعل التفكير والفعل ممكنين. هذا العالم هو الإطار الذي نرى من خلاله الواقع معاً رغم اختلافنا، وهذا لا يعني أنه الحقيقة. وحين يتصدع هذا الإطار - كما يحدث اليوم في زمن الشاشات والمنصّات والانفعالات الفورية - تتلاشى إمكانية النقاش، ويختفي الفضاء العمومي الذي يُفترض أن يجمعنا.

وتعود الكاتبة إلى الجذر الفلسفي لهذه الأزمة، إلى لحظة أفلاطون الذي غادر الساحة العمومية بعد محاكمة سقراط ليؤسس الأكاديمية بحثاً عن الحقيقة الخالصة بعيداً

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح